الإعلام الرياضي المتخصص ..لماذا يُهمَّش حين تبدأ معركة الإصلاح؟
شهد منتدى وطني ذي حضور وازن لحظة مؤسساتية أعادت ملف الرياضة المغربية إلى واجهة النقاش العمومي، ليس من زاوية النتائج داخل الملاعب فقط، بل باعتبار الرياضة منظومة متكاملة: ممارسة مجتمعية، وتربية مدرسية، وتكوين وتأطير، وتمويل وحكامة، ثم إعلام رياضي يصنع الصورة ويؤطر وعي الجمهور.
الجلسة الافتتاحية عرفت كلمات لكل من رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة، ورئيس اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية فيصل العرايشي، ونائبة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية نوال المتوكل، ورئيس المجموعة الموضوعاتية عبد الرحيم شهيد، ومدير المكتب الإقليمي لليونسكو للمنطقة المغاربية شرف احميميد، وممثل مؤسسة المغرب 2030 جلول عينوش. كما حضر أعضاء من الحكومة والبرلمان، وممثلون عن مؤسسات وطنية ودولية، وجامعات وأندية وجمعيات رياضية، إلى جانب خبراء وأساتذة وإعلاميين وفاعلين رياضيين مغاربة وأجانب، في محاولة لإعطاء النقاش عمقًا يتجاوز لغة المناسبات.
وضمن برنامج أشغال المنتدى، تم الإعلان عن تنظيم أربع ورشات كبرى تناقش محاور اعتُبرت مفاتيح لأي إصلاح ممكن: النهوض بالرياضة والممارسة الرياضية، الحكامة والتمويل الرياضي، التكوين والتأطير الرياضي، ثم الإعلام الرياضي الذي عاد إلى الواجهة باعتباره حلقة الوصل بين المؤسسات والجمهور، وبين الأداء الرياضي وصناعة الثقة.
غير أن إدراج “الإعلام الرياضي” ضمن الورشات لا يكفي وحده لطمأنة الفاعلين، لأن الواقع اليوم يطرح سؤالًا أكثر إلحاحًا: ما جدوى الحديث عن إصلاح الإعلام الرياضي، بينما تستمر سياسة تهميش المنابر الرياضية المتخصصة، وهي الأقرب للميدان والأقدر على تفكيك الأرقام والقرارات والاختلالات؟
المنابر المتخصصة تشتغل يوميًا في قلب التفاصيل: مباريات، تدبير، تحكيم، بنية تحتية، تكوين، ميزانيات، ومشاريع… ومع ذلك، تُعامل في كثير من المحطات كأنها هامش لا قيمة له، في وقت تُمنح فيه المساحة لمنابر عامة أو تغطيات سطحية لا تملك لا التخصص ولا عمق المتابعة. وهنا تتقاطع عدة أسباب تفسر هذا التهميش، دون أن تبرره.
أول هذه الأسباب هو منطق الاحتكار في التغطية والاعتماد والإشهار، حيث تتحول التغطيات الكبرى والولوج إلى المعلومة إلى امتياز مرتبط بالشبكات والنفوذ أكثر مما هو مرتبط بمعايير مهنية معلنة. السبب الثاني يتمثل في غياب آليات شفافة للدعم والتمويل، إذ تجد العديد من المنابر المتخصصة نفسها محاصرة اقتصاديًا، فتُستنزف في معركة البقاء بدل الاستثمار في التطوير، والتكوين، والعتاد، وجودة الإنتاج.
ثم يبرز عامل ثالث لا يقل حساسية: غياب سياسة واضحة للتعامل المؤسساتي مع الإعلام المتخصص، فالاعتماد في بعض الأحيان يُدار بمنطق الانتقائية بدل معيار المهنية، ما ينتج شعورًا بالإقصاء ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص. ويضاف إلى ذلك، في حالات كثيرة، خوف غير معلن من الإعلام المتخصص حين يكون نقديًا، لأن المنبر المتخصص قادر على مساءلة القرارات وكشف التناقضات، وهو ما يزعج بعض الجهات التي تفضل خطابًا ناعمًا وتغطية بلا أسئلة.
والنتيجة النهائية ليست مجرد ضرر يصيب مؤسسة إعلامية هنا أو موقعًا هناك، بل خلل يضرب المشهد الرياضي برمته: حين يُقصى المتخصص تُفتح الأبواب للإشاعة، وحين تغيب المعلومة الدقيقة تتحول النقاشات إلى صراخ، وحين يُحاصر النقد المهني يتسع المجال للتضليل، فتتضرر صورة الرياضة، وتتراجع الثقة، ويضيع على البلد رهان بناء إعلام رياضي قوي يواكب طموحاته في تنظيم تظاهرات كبرى وإنتاج صورة دولية تليق به.
من هنا، فإن ورشة “الإعلام الرياضي” داخل هذا المنتدى لا يجب أن تتحول إلى عنوان للاستهلاك أو خطابات عامة عن “الأخلاقيات” و”المهنية”، بل إلى إجراءات ملموسة تعالج جوهر المشكلة: اعتماد شفاف بمعايير واضحة، ولوج عادل للمعلومة، توزيع منصف لفرص الإشهار والرعاية على أساس الجودة والانتشار الحقيقي، وإشراك المنابر المتخصصة في التغطيات الكبرى باعتبارها شريكًا في البناء لا عبئًا يجب إبعاده.
لأن إصلاح الرياضة لا يمكن أن ينجح بمنظومة إعلامية تُنتج الصمت أو التجميل، ولا بإعلام يُقصي الخبرة ويستبدلها بالضجيج. وإذا كان المنتدى قد فتح النقاش حول الحكامة والتمويل والتكوين والممارسة، فإن أول اختبار لصدقية هذا النقاش يبدأ من هنا: هل نملك الشجاعة لرد الاعتبار للإعلام الرياضي المتخصص، وتحصينه بالقواعد العادلة، بدل تركه يدفع ثمن تخصصه واستقلاله؟