عيد الاستقلال: رمز لانتصار إرادة العرش والشعب
جهات- و م ع
أكدت الهيئة العليا لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يوم الأحد، أن الاحتفال بعيد الاستقلال يجسد التلاحم المثالي بين العرش والشعب، وانتصار إرادته في الدفاع عن القيم المقدسة والثوابت الوطنية.
واعتبرت الهيئة في بيان لها أن هذه المناسبة الخالدة، التي رسخت في الذاكرة الجماعية للمغاربة وسجلات تاريخ المملكة الحديث، غنية بالعبر والدروس التي تُجسد الكفاح البطولي الذي خاضه العرش والشعب من أجل الحرية والاستقلال ووحدة الوطن.
وأضاف المصدر نفسه أن إحياء ذكرى عيد الاستقلال يُذكر بعظمة التضحيات التي قدمها المغاربة، تحت القيادة الرشيدة للعرش العلوي، من أجل استرجاع السيادة الوطنية والحفاظ على وحدة الوطن. كما يُبرز ملحمة نضالية اتسمت بالصمود والشجاعة والوفاء الراسخ لمبادئ الوطن الراسخة.
في أجواء من الفخر الوطني، وفي ظل اعتماد مجلس الأمن للقرار 2797 بتاريخ 31 أكتوبر 2025، الذي يؤكد على أهمية المبادرة المغربية للحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، سيحتفل الشعب المغربي، من طنجة إلى لكويرة، في الفترة من 16 إلى 18 نونبر 2025، بالذكرى السبعين لعودة جلالة الملك محمد الخامس، بطل التحرير والاستقلال، من منفاه.
شكّلت عودة جلالة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن لحظةً مفصلية، تُوّجت عقودًا من النضال للتحرر من نير الاستعمار الذي فُرض عليه عام ١٩١٢، وعبّرت عن عزم الشعب المغربي على الدفاع عن كرامة الوطن وحماية ثوابته التاريخية ومبادئه المقدسة.
وتُذكّر الهيئة السامية بالانتفاضات الشعبية العديدة والمعارك البطولية التي خاضها الشعب المغربي في ربوع المملكة ضد الوجود الأجنبي والسيطرة الاستعمارية، بما في ذلك معارك الهري، وأنوال، وبوغافر، وجبل بادو، وسيدي بو عثمان، وانتفاضة قبائل آيت باعمران بالأقاليم الجنوبية، وغيرها من الملاحم التاريخية التي أثبت فيها المجاهدون شجاعةً وصمودًا، مقدمين تضحياتٍ جسامًا في وجه قوات الاحتلال.
إن ملحمة النضال من أجل الاستقلال الوطني زاخرةٌ بعبرٍ وعبرٍ صادقة، كما يشير المصدر نفسه، مذكرًا بأنه في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، شهدت الحركة الوطنية تحولًا، فتحوّلت إلى النضال السياسي بهدف تعزيز صفوفها وتعبئة الشباب ومختلف شرائح المجتمع المغربي خدمةً للحرية والاستقلال.
كما عملت الحركة الوطنية على إذكاء الوعي الدولي بالقضية المغربية، مما كان له أثرٌ بالغ على الوجود الأجنبي. لجأ هذا الوجود بدوره إلى إجراءاتٍ ومناوراتٍ عدائيةٍ وتعسفيةٍ لقمع النضال من أجل الحرية الذي قاده أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال، جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، متضامنًا مع الحركة الوطنية.
يُذكر أن من أبرز المناورات الاستعمارية مشروع تقسيم مكونات الشعب المغربي، وضرب وحدته، وتشويه هويته الدينية والوطنية، وذلك بإصدار “الظهير البربري” في 16 مايو 1930.
إلا أن هذا المخطط أُحبط، إذ ثار الوطنيون والمقاومون ضد الوجود الاستعماري، بينما أظهر جميع المغاربة تمسكهم العميق بالإسلام المعتدل، وهويتهم المغربية العريقة، ووحدتهم الوطنية.
علاوة على ذلك، تؤكد الهيئة العليا أن من أبلغ مظاهر النضال الوطني تقديم نخبة من رواد وقادة الحركة الوطنية بيان الاستقلال إلى سلطات الحماية في 11 يناير 1944، بتوافق تام وتشاور مع جلالة الملك محمد الخامس، رحمه الله.
وقد قوبلت هذه المبادرة التاريخية بقمع عنيف من قبل السلطات الاستعمارية، تمثل في اعتقال عدد من قادة وشخصيات الحركة الوطنية، فضلا عن أعمال وحشية في حق مواطنين مغاربة أظهروا وطنيتهم الاستثنائية، وأعربوا بشجاعة عن دعمهم لهذه الوثيقة التأسيسية.
ومن الخطوات المهمة الأخرى في هذا النضال، الرحلة التاريخية التي قام بها أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال، جلالة الملك محمد الخامس، إلى طنجة في 9 أبريل 1947. وأكدت هذه الرحلة التزام المغرب، ملكًا وشعبًا، بحرية الوطن واستقلاله ووحدة أراضيه والحفاظ على هويته ومبادئه الراسخة ومكانته في العالم العربي الإسلامي، وفقًا للمفوضية السامية.
كان لهذه الرحلة المباركة من أجل وحدة الأمة أثرٌ بالغ على العلاقات بين المقيم العام للحماية الفرنسية والقصر الملكي. وتفاقم الصراع، لا سيما وأن جلالة الملك محمد الخامس لم يذعن للضغوط التي كانت تهدف بالأساس إلى قطع العلاقات مع الحركة الوطنية وحركة التحرير الوطني. وقد أدى موقفه الرافض لأي تسوية إلى تفاقم الوضع السياسي، ودفع سلطات الحماية إلى وضع خطة لقطع العلاقات الوثيقة بين الملك وشعبه.
تصدى المغاربة لهذه المؤامرة التي بدأت بوادرها في أوائل أغسطس 1953. وحشد سكان مراكش يومي 14 و15 أغسطس 1953 لمنع تنصيب بن عرفة، دمية الاستعمار. واندلعت انتفاضة 16 غشت 1953 في وجدة، تلتها انتفاضة 17غشت 1953 في تافوغالت. وترددت أصداء ردود الفعل المنددة والمستنكرة لهذا العمل المشين لقوات الاحتلال الأجنبي في جميع أنحاء البلاد عندما حاصرت سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية القصر الملكي بقواتها الأمنية والعسكرية في 20 أغسطس 1953، مهددةً جلالة الملك محمد الخامس ومطالبةً إياه بالتنازل عن العرش.
آثر المغفور له، قدس الله روحه، المنفى على الرضوخ لإرادة المحتل الأجنبي، فأعلن، بكل إيمانه بالله وبعدالة القضية المغربية، أنه الملك الشرعي للأمة، وأنه لن يخون ثقة شعبه الوفي، هذه المسؤولية الجسيمة التي جعلته سلطانًا شرعيًا ورمزًا للسيادة والوحدة الوطنية.
وأمام هذه المواقف الوطنية النبيلة، التي اتخذها بطل التحرير والاستقلال، المغفور له الملك محمد الخامس، بعزم وثبات، نفذت سلطات الإقامة العامة مؤامرتها المشينة، فنفت الملك ورفيقه في النضال والمنفى، الملك الحسن الثاني، رحمه الله، والعائلة المالكة، في 20 أغسطس 1953، إلى كورسيكا، ومنها إلى مدغشقر.
وما إن انتشر الخبر المحزن في ربوع المملكة، حتى انتفض الشعب المغربي بكل قوة، معبرًا عن غضبه وسخطه على الاحتلال الأجنبي. كانت هذه بداية الكفاح المسلح والمقاومة والتضحية. تشكلت خلايا المقاومة والمنظمات السرية، وبدأت العمليات البطولية تضرب مصالح الاستعمار وأشد أنصاره تعصبًا.
إن الزخم الشعبي لثورة الملك والشعب يُظهر بوضوح عزم المغاربة على النضال بلا هوادة لاستعادة الشرعية والشرعية التاريخية وتحقيق الاستقلال.
ومن العملية الجريئة للشهيد علال بنعبد الله في 11 شتنبر 1953، التي استهدفت عميل الاستعمار بن عرفة، إلى العمليات البطولية للشهيد محمد الزرقطوني ورفاقه في خلايا المقاومة بالدار البيضاء، وكذا تحركات المقاومين والمناضلين في العديد من المدن والقرى المغربية، اشتدت المقاومة في موجات متتالية ومظاهرات واحتجاجات جماهيرية وانتفاضات شعبية. كان هذا هو حال مظاهرات وادي زم، وبين قبائل السمالة وبني خيران، وكذلك في العديد من مناطق المغرب الأخرى يومي 19 و20 أغسطس/آب 1955، والتي تُوجت بالانطلاقة المظفرة لجيش التحرير في الأقاليم الشمالية للمملكة ليلة 1-2 أكتوبر 1955.
وتوّجت التعبئة القوية للشعب المغربي بالعودة المظفرة من منفاه لبطل التحرير والاستقلال، ورمز الوحدة الوطنية، الملك الراحل محمد الخامس، حاملاً لواء الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، مُبشراً بالانتقال من “الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” من أجل بناء المغرب الحديث ومواصلة الكفاح الملحمي من أجل الوحدة الترابية. في عام 1956، انطلقت عمليات جيش التحرير في جنوب المغرب لتحرير الأقاليم الجنوبية الصحراوية من نير الاحتلال الإسباني.
أكد الخطاب التاريخي الذي ألقاه الملك الراحل محمد الخامس في 25 فبراير 1958 بمحاميد الغزلان، بحضور ممثلي قبائل الصحراء المغربية، موقف المغرب الثابت والتزامه الكامل باستعادة صحرائه. وشكلت استعادة منطقة طرفاية في 15 أبريل 1958 بداية انتصار عملية تحرير الأجزاء التي كانت لا تزال محتلة من التراب الوطني.
وفي عهد جلالة الملك الحسن الثاني، واصلت المملكة النضال بنفس العزيمة، وتوجت ذلك باستعادة مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، كما يؤكد البيان، مشيرًا إلى أن النضال التحريري بلغ ذروته مع المسيرة التاريخية في 6 نوفمبر 1975، التي أفضت إلى استرجاع الأقاليم الجنوبية.
وأشار المصدر نفسه إلى أن انتصار المغاربة تميز برفع العلم في العيون في 28 فبراير 1976، إيذانًا بنهاية الاحتلال الأجنبي للصحراء المغربية، تلاه استرجاع إقليم وادي الذهب في 14 أغسطس 1979.
وإذ تحتفل عائلات المقاومة وجيش التحرير بفخر بالذكرى السبعين لاستقلال المغرب، ترحب بقرار الأمم المتحدة الداعم للمفاوضات لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية على أساس مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية، باعتبارها السبيل الواقعي الوحيد لتسوية هذا النزاع المفتعل.
ترحب المفوضية السامية بهذا المنعطف التاريخي الحاسم، الذي يُتوّج المسار الدبلوماسي رفيع المستوى والمستمر، الذي قاده جلالة الملك محمد السادس بحكمةٍ وبُعد نظر. وقد ساهم هذا المسار في تعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية، والدفاع الدائم عن عدالة القضية الوطنية، ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي كحلٍّ واقعيٍّ وقابلٍ للتطبيق.
كما تُجدد المفوضية السامية دعمها الثابت وتعبئتها الدائمة، مع جميع شرائح الشعب المغربي، خلف جلالة الملك من أجل تفعيل آليات ومرتكزات الحكم الذاتي في إطار الجهوية المتقدمة، بما يجعل الأقاليم الجنوبية محركًا للتنمية والاستقرار والسلام والتعاون الأفريقي.
وبمناسبة هذه الذكرى المجيدة، تُنظم المفوضية السامية لقاءً وندوةً حول هذا الحدث التاريخي الهام، يوم الخميس بالنصب التذكاري الوطني للمقاومة والتحرير.
سيكون هذا اللقاء فرصةً لتكريم نخبة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، تقديرًا لتضحياتهم وإسهاماتهم في الدفاع عن القيم الدينية ومقدسات الأمة.
كما سيتم تنظيم أنشطة تربوية وثقافية وتوعوية تاريخية وطنية في جميع جهات وأقاليم المملكة، بإشراف وفود من المندوبية السامية.