اليوم العالمي للكسكس .. احتفال بالتراث الغذائي والثقافي
جهات – مواقع
يُعدّ الكسكس أحد أبرز الأطباق التقليدية في شمال إفريقيا، ويحظى بشعبية واسعة في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، كما تجاوز حدوده الجغرافية ليصبح رمزًا للتراث الثقافي والمأكولات العالمية.
أصل الكسكس وتاريخه:
يعود تاريخ الكسكس إلى آلاف السنين، ويُعتبر من أقدم الأطعمة التي عُرفت في منطقة المغرب العربي. يصنع عادةً من السميد، ويطهى على البخار، ويقدّم مع الخضار واللحم أو الدجاج. يُعرف الكسكس بكونه وجبة تجمع العائلة والأصدقاء حول المائدة، ويعكس قيم المشاركة والتقارب الاجتماعي.
نظراً لقيمته وحضوره القوي في يوميات الإنسان الإفريقي الشمالي، حيكت حوله العديد من الأساطير. ومن أبرزها قصة غزو نابليون بونابرت لمصر (1798–1801)، حيث واجه الجنود الفرنسيون صعوبة في التكيف مع الطعام المحلي. لاحظ الضباط أن المحاربين العرب والأمازيغ يتناولون الكسكس كغذاء أساسي، ما منحهم قدرة أكبر على التحمل والقوة. قال أحد الضباط الفرنسيين لاحقًا:
“إن الأعداء كانوا يتناولون طعاماً سرياً سحرياً يمنحهم طاقة لا تنضب.”
في الحقيقة، لم يكن هذا الطعام إلا الكسكس، الذي يتميز بسهولة هضمه وغناه بالمغذيات.
كما تحكي قصة من الأندلس عن خليفة كان يناقش مع علمائه الطبق المثالي، وأحضرت له طباخ من المغرب طبقاً من الكسكس بالخضار واللحم الطري، فأعلن الخليفة:
“هذا هو الطعام المبارك الحقيقي، لأنه يجمع كل ما تخرجه الأرض.”
أهمية اليوم العالمي للكسكس:
قبل إدراجه ضمن قائمة التراث غير المادي لليونسكو سنة 2020 ضمن ملف مشترك بين تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، أسهم بنعيسى اليحيوي، المدرب في الثقافة وإدارة الجودة، في إقامة “اليوم العالمي من أجل الصداقة والسلام” عن وعي تام، بهدف التعريف بالكسكس كجسر ثقافي.
أراد اليحيوي تسليط الضوء على جوانب مهمة من الثقافة المغربية، وأعراف الضيافة، وبناء جسور التواصل بين المجتمعين السويسري والمغربي.
لقد لقيت جهوداته اعترافًا دوليًا، إذ تم تكريمه بـ جائزة الاستدامة الذهبية 2025 من مؤسسة IDEE-SUISSE في زيورخ، تقديرًا لمساهماته المتواصلة على مدى 20 سنة لدعم الحوار بين الثقافات.
الكسكس والهوية الثقافية:
يُعد الكسكس أكثر من مجرد وجبة؛ فهو رمز للهوية الثقافية لشعوب شمال إفريقيا. كل وصفة تحمل تاريخًا محليًا، ونكهة فريدة، وعادات متوارثة من جيل إلى جيل. ويجسد الكسكس قيم الضيافة، الترابط الأسري، والاحتفال بالمناسبات الخاصة، ما يجعله عنصرًا أساسيًا في الاحتفالات والمهرجانات.
الخلاصة:
إن تخصيص يوم عالمي للكسكس يعكس الاعتراف بأهمية هذا الموروث الغذائي والثقافي، ويحفّز على الحفاظ على الوصفات التقليدية ونقلها للأجيال القادمة. وفي كل مرة تُقدّم فيها وجبة الكسكس على المائدة، تُروى قصة غنية بالثقافة والتاريخ، وتُعزز الروابط الاجتماعية بين الأفراد والمجتمعات، وتذكرنا بالقيم الإنسانية المشتركة التي يجسدها هذا الطبق التاريخي.