المراكز السوسيو رياضية ، وسؤال الريع و ضرورة التدوير
خالد م
تتجاوز أهمية الافتحاص المالي للمراكز السوسيو رياضية مجرد التدقيق الروتيني للأرقام؛ إنها تتصل بشكل مباشر بضمان استدامة هذه المؤسسات وقدرتها على تحقيق رسالتها الاجتماعية والتنموية بكفاءة عالية. فغياب الشفافية والمساءلة يفتح الباب واسعًا أمام مخاطر سوء الإدارة وتبديد الموارد، مما يقوض الجهود المبذولة لخدمة الفئات المستهدفة ويعيق تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي.
إن إرساء دعائم إدارة مالية رشيدة يتطلب تبني مقاربة شمولية تتكامل فيها آليات الرقابة الداخلية الفعالة مع عمليات الافتحاص الخارجي المستقلة. يجب أن تتجاوز هذه العمليات مجرد فحص المستندات لتشمل تقييمًا معمقًا لفعالية الضوابط الداخلية، وكفاءة العمليات المالية، ومدى التزام الإدارة بالأهداف المرسومة. علاوة على ذلك، فإن تبني معايير محاسبية واضحة ومتوافقة مع أفضل الممارسات الدولية يضمن توحيد لغة التقارير المالية ويسهل عملية المقارنة والتقييم الموضوعي للأداء.
وفي سياق متصل، يكتسي ربط المسؤولية بالمحاسبة أهمية قصوى لضمان شعور كل مسؤول بتبعات قراراته وإجراءاته. لا يقتصر ذلك على تحميل المسؤولية عن المخالفات والتجاوزات، بل يمتد ليشمل مكافأة الأداء المتميز والالتزام بأعلى معايير النزاهة والشفافية. إن وضع مؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس، وربطها بنظام حوافز وعقوبات فعال، يخلق بيئة عمل تحفز على الكفاءة والمسؤولية وتعزز ثقافة المساءلة على جميع المستويات.
أما فيما يتعلق بمسألة الثروات والعقارات التي راكمها بعض المدراء، فإن التساؤل المشروع حول مصادر هذه الأموال يمثل صميم مبادئ الشفافية والنزاهة ومكافحة كل أشكال الفساد واستغلال النفوذ. إن مبدأ “من أين لك هذا؟” ليس مجرد شعار، بل هو آلية قانونية وأخلاقية ضرورية لضمان أن المسؤولية العامة لا تستغل لتحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة. يتطلب تفعيل هذا المبدأ إجراء تحقيقات معمقة وشفافة في الحالات التي تثير شبهات حول مصادر الثروة، مع ضمان تطبيق القانون بعدالة على الجميع.
إن معالجة هذه القضايا تتطلب تضافر جهود مختلف الأطراف الفاعلة، بما في ذلك المؤسسات الحكومية، وهيئات الرقابة، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام. يجب تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه الجهات لضمان تكامل الجهود وتبادل الخبرات والمعلومات. كما أن تعزيز الوعي العام بأهمية الشفافية والمساءلة، وتمكين المواطنين من ممارسة حقهم في الرقابة والمحاسبة، يمثل عنصرًا أساسيًا في بناء ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد بشكل فعال ومستدام. إن بناء مراكز سوسيو رياضية قوية وفعالة يرتكز بالأساس على أسس متينة من الشفافية المالية والمساءلة الإدارية والنزاهة الأخلاقية.
من جهة أخرى ألم يحن الوقت بعد لتحديد مدة ولاية لإدارة المراكز السوسيو رياضية بأربع سنوات لما يمثله من نقطة انطلاق مهمة نحو تعزيز الشفافية وتداول المسؤوليات، وهو ما يصب في جوهره في مكافحة ظاهرة “الريع” التي قد تستغل هذه المؤسسات لتحقيق منافع شخصية على المدى الطويل. يهدف هذا التحديد الزمني إلى خلق ديناميكية إدارية متجددة، تفتح الباب أمام أفكار مبتكرة وتمنع ترسيخ المصالح الفردية على حساب المصلحة العامة.
يمكن لهذا النظام أن يحد من احتمالية استغلال المناصب القيادية لفترات طويلة، وهي فترة قد تشهد تراكمًا للمصالح الخاصة أو تبني ممارسات إدارية تفتقر إلى التجديد. إن إدخال قيادات جديدة بشكل دوري يحمل في طياته وعدًا بضخ دماء جديدة في شرايين هذه المؤسسات، مما يمكن أن ينعكس إيجابًا على تطوير برامجها وتوسيع نطاق خدماتها لتلبية احتياجات المجتمع بشكل أكثر فعالية. كما أن هذا التداول في المناصب يعزز مبدأ تكافؤ الفرص، ويفتح المجال أمام الكفاءات الصاعدة لتولي مسؤوليات قيادية، بدلًا من بقاء المناصب حكرًا على نفس الأشخاص لفترات ممتدة. علاوة على ذلك، يمكن أن يساهم تحديد مدة الولاية في تجنب الوقوع في براثن “الروتين الإداري” والجمود المؤسسي الذي قد يصاحب بقاء نفس القيادة لفترة طويلة، مما يعيق التطور والابتكار الضروريين لمواكبة التغيرات المجتمعية. وأخيرًا، يضفي هذا النظام وضوحًا أكبر على عملية تقييم الأداء والمساءلة، حيث يصبح من الأسهل قياس إنجازات القيادة خلال فترة محددة ومحاسبتها بناءً
إن تبني نظام يحدد مدة ولاية لإدارة هذه المراكز ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غاية أسمى، وهي بناء مؤسسات قوية ومستدامة تخدم المجتمع بكفاءة ونزاهة. يتطلب تحقيق هذه الغاية تبني رؤية شاملة تتضمن آليات متعددة لضمان التجديد، وتعزيز المساءلة والشفافية بشكل مستمر، بما يخدم المصلحة العامة ويحمي هذه المؤسسات من الوقوع في براثن الاستغلال أو الريع.