رمضان بالعيون.. طقوس دينية وعادات اجتماعية ضاربة في القدم
على الرغم من التطور الذي عرفته مختلف مناحي الحياة اليومية بإقليم العيون، فإن العديد من الأسر المحلية تحرص، إسوة بنظيراتها بالأقاليم الجنوبية للمملكة، على الحفاظ على طقوسها الدينية وعاداتها الاجتماعية الضاربة في القدم خلال شهر رمضان الأبرك.
ويتميز الشهر الفضيل بالصحراء المغربية بطقوس دينية وعادات اجتماعية متوارثة وراسخة، حيث تشهد المساجد إقبالا مكثفا من أجل أداء الصلوات، وخاصة صلاة العشاء والتراويح، في جو من السكينة والتقوى، إلى جانب زيارة الأهل والأقارب، وذلك رغبة في تقوية أواصر التآلف والمودة بين العائلات والأسر وتعزيز روح التكافل والتضامن بين أفرادها.
وتظل الأجواء الروحية والاجتماعية لشهر رمضان، في كثير من تجلياتها، راسخة في وجدان المجتمع الحساني كطقوس وممارسات شعبية تعكس جوانب منها المستوى الاجتماعي للأسر، والمظاهر الدينية المتأصلة في ذاكرة المجتمع الحساني، مادامت تأتي في طليعة الثوابت والمرتكزات التي لا محيد عنها.
ولهذا، تحرص ساكنة إقليم العيون على التشبث بجملة من العادات والتقاليد الخاصة برمضان، بداية من التحضير لهذا الشهر الفضيل، إلى إعداد موائد الإفطار والسحور، ثم باقي العادات المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، وقضاء نهار رمضان وليله من طرف الصائم بهذه الربوع.
ومن بين العادات الشعبية التي لا تزال متداولة بالصحراء المغربية خلال شهر رمضان، عقد جلسات السمر بعد صلاة التراويح، والتي يتم خلالها إعداد الشاي وتناوله على الطريقة المحلية المعروفة بالجيمات الثلاث، مع ما يتخلل ذلك من الإبداع الشعري والتسلي بالألغاز، فضلا عن تبادل الآراء والافكار حول مواضيع وقضايا تهم المعيش اليومي.
وتؤثث فضاء الجلسات الرمضانية، في غالب الأحيان، ممارسة ألعاب تقليدية نسجها المخيال الشعبي الحساني، منها لعبة “السيك” ولعبة “أكرور”، وهي لعبة نسائية بامتياز، تعتمد على المهارات والقدرات الذهنية، وكذا لعبة “ضاما” و”الضومينو”، فضلا عن لعبة “مرياس” و”دبلي” التي يدمن الرجال على ممارستها بهذه الربوع.
وبخصوص إعداد الموائد الرمضانية، لا تزال ساكنة الصحراء المغربية تحافظ على ثقافتها ونمط عيشها من أكل وشرب خلال رمضان، رغم أن بعض الأسر أصبحت، بحكم التمدن والتغيرات السوسيو – ثقافية المتسارعة، تساير هذا التطور من حيث تقديم الوجبات الرمضانية التي تشمل الإفطار والعشاء والسحور وهي موائد لا تختلف من حيث الكم والكيف عن تلك التي تقوم بإعدادها الأسر المغربية في شمال المملكة.
فوجبة الإفطار لدى مجتمع الصحراء المغربية تتكون، بشكل عام، من الحساء الأحمر المعد من دقيق الشعير أو الأبيض المعد من الحليب والشعير المحمص وتمر وحليب، على أن يكون محور هذه المائدة قدح اللبن الطازج أو ما يطلق عليه بالحسانية “الزريك” وتتناقله الأيدي حسب موقع جلوس الصائم من اليمين إلى اليسار.
أما وجبة العشاء، فلا تخلو في الغالب من كبد الإبل المشوي في الفرن أو على الفحم أو المطبوخ في الماء من دون توابل متبوعا بكؤوس الشاي التي يتم إعدادها، هي الأخرى، حسب الطقوس الصحراوية، من “جماعة” و”جمر” و”جر” أي تجزية الوقت والسمر.
وتحرص الأسر المحلية على أن يكون الشواء من لحم الإبل قد وضع على المائدة ليحل محل وجبة العشاء العادية، التي تعقبها وجبة سحور خفيفة تتكون من “بلغمان”، وهو عبارة عن حبوب زرع يتم تحميرها وطحنها ثم يتم طهيها في الماء الساخن والمحلى بالسكر.
وبالرغم من التحول الذي طرأ على النظام الغذائي بالأقاليم الجنوبية خلال شهر رمضان، ماتزال بعض الأسر محافظة على مجموعة من العادات والتقاليد، من خلال الحرص على إعداد الأكلات الشعبية المعروفة باسم “بلغمان” و”الزميت” و”العيش” و”تيشطار” أي اللحم المجفف، فيما تفضل أسر أخرى تعويضها بالأسماك بمختلف أنواعها واللحوم الحمراء والبيضاء والخضر والفواكه.
فمن خلال أصناف وجبات الأكل المقدمة خلال شهر رمضان، يظهر جليا التحول الذي طرأ على النظام الغذائي بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وذلك بفعل الانتقال إلى حياة الاستقرار عوض حياة البداوة والترحال، وكذا التطور الذي شمل جميع مجالات الحياة اليومية لساكنة المنطقة.
وهذا لا يعني أن شهر رمضان بالأقاليم الجنوبية كله لهو وأكل وشرب، إذ يحرص الصائم بهذه الأقاليم على حضور ما تيسر له من دروس دينية ثم الانصراف إلى العبادات وأداء الفرائض في ورع وتقوى كما يليق بشهر رمضان المبارك، وكما دأبت على ذلك ممارسات الآباء والأجداد، إلى جانب صلة الأرحام وتبادل الزيارات بين الأحباب والأصدقاء والجيران، والتي قد تزيد قليلا عن الأيام العادية بسبب فسحة الزمن التي يتيحها هذا الشهر.
ويقسم سكان الأقاليم الجنوبية شهر رمضان إلى ثلاث مراحل، يسمون الأولى منها بعشراية التركة (الأطفال) أو عشراية ركاب الخيل حيث تكون للإنسان قدرة على تحمل الصيام، وتسمى الثانية بعشراية أفكاريش, أو عشراية ركاب لبل (الإبل) وهي مرحلة تتطلب صبرا إضافيا، فيما تسمى المرحلة الثالثة بعشراية لعزايز (المسنات) أو ركاب الحمير للدلالة على مرور الوقت ببطء والإحساس بالتعب.
وعموما، تواصل الأسر بالأقاليم الجنوبية للمملكة ارتباطها وتشبثها بعاداتها الغذائية التقليدية، والتي توحي بالسمر إلى جانب الحرص على القيام بالشعائر الدينية، وتبادل الزيارات بين الأهل والأقارب من أجل تدعيم أواصر صلة الرحم، والإكثار من عمل الخير والإحسان وإعطاء الصدقات للفقراء والمحتاجين.