علي بن أبي طالب.. أول من أسلم من الفتيان ورابع الخلفاء الراشدين

علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول محمد ﷺ وصهره، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد المبشرين بالجنة، نشأ في كنف النبي ﷺ، وأسلم صغيرا قبل أن يبلغ الحلم، وكان من أوائل من أسلم، نافح عن الإسلام صغيرا وشابا وكهلا، وشارك في غزوات الإسلام الكبرى، عُرف بالشجاعة وتوقد الذكاء والفقه بأمور الدين والحكمة.

إبان خلافته نقل عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة إلى الكوفة، وقد استغرقت عهدَه الفتنُ على إثر مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، فحارب الخوارج والسبئية، وقُتل على يد عبد الرحمن بن ملجم الخارجي سنة 40 هـ.

المولد والنشأة:
ولد علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي أبو الحسن، في شعب بني هاشم بمكة قبل البعثة بـ10 سنين وقبل الهجرة بـ23 عاما.

ووالده أبو طالب (واسمه عبد مناف) سيد من سادات قريش آل إليه شرف السقاية والرفادة بعد وفاة والده (جد علي) عبد المطلب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم التي شاركت زوجها في تربية النبي ﷺ بعد وفاة جده، وقد كانت سيدة من سيدات بني هاشم اللواتي يشار إليهنّ بالبنان.

ومنذ أن بلغ السادسة من عمره أقام علي في بيت ابن عمه محمد ﷺ فتفتح وعيه في بيت من أنبل بيوت قريش المشهود لها بالفضيلة والخلق الرفيع وحسن السيرة في الناس، بعد أن تشرّب موروثات العرب الكريمة في بيت أبيه سيد قريش ووريث بني هاشم.

وظل علي منذ أن دخل بيت النبي الكريم مرافقا له لم يبرحه إلا لمهام يكلفه بها -عليه الصلاة والسلام- زهاء 17 عاما في مكة، و10 أعوام في المدينة المنورة.

إسلامه:
ولم يلبث الفتى بعد أن دعاه ابن عمه إلى الدين الجديد حتى آمن به وصدقه، فكان أول الفتيان إسلاما، وكان إذ ذاك بعمر العاشرة.

وقد اختلف الرواة فيمن أسلم أولا، غير أن أرجح الآراء مستقرة على أن أولهم من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن النساء خديجة زوج النبي عليه الصلاة والسلام، ومن الفتيان علي بن أبي طالب.

هجرته إلى المدينة:
عُرف علي بالشجاعة والإقدام منذ نعومة أظفاره، وكان محبا للنبي الكريم، فلم يتردد وهو فتى يناهز الـ20 من عمره بالنوم في فراش رسول الله ﷺ ليلة الهجرة، وكان المشركون يتربصون بالنبي ليقتلوه في فراشه.

وبقي عليّ آخر الناس هجرة إلى المدينة بأمر من رسول الله حتى يردّ إلى الناس ودائعهم التي كانوا يستأمنون عليها النبي الكريم ﷺ، ويخرجَ بأهله من مكة إلى المدينة، فخرج علي يمشي بالليل ويكمن في النهار، حتى قدِم المدينة، فلما بلغ النبيَّ عليه الصلاة والسلام نبأُ وصوله، دعاه إليه، فأخبره الناس أن عليا لا يستطيع المشي، فأتاه النبي ﷺ واعتنقه باكيا لِما رأى بقدمَيه من الورم جراء المشي أياما، فمسح النبي الكريم بيديه الشريفتين على قدميه، فلم يشتكهما حتى استشهد.

زواجه من السيدة فاطمة الزهراء
توالى عدد من الصحابة لخطبة الزهراء بنت النبي عليه الصلاة والسلام، وفيهم أبو بكر وعمر، غير أن النبي ﷺ ردهم جميعا لصغر سنها، حتى تقدم لخطبتها علي بن أبي طالب فزوجها منه بعد معركة بدر (السنة الثانية للهجرة) وكان عمرها حينذاك 15 سنة بينما كان عمر علي 25 سنة.

ولم يتزوج علي على فاطمة في حياتها رغم من أن التعدد كان منتشرا في عهد الصحابة، وقد كان الواحد منهم يجمع أكثر من امرأة في ذمته، غير أن كرامة بنت النبي ﷺ منعته من ذلك، ولما عزم بعد فتح مكة على الزواج من ابنة أبي جهل منعه النبي ﷺ من ذلك إلا أن يطلق فاطمة، فعدل عن رأيه وثنى من عزمه.

وقد أنجبت فاطمة له السبطين، الحسن والحسين، ومنها رضي الله عنها امتد نسل النبي ﷺ دون غيرها من أبنائه وبناته.

بعض مآثره في حياة النبي ﷺ
شارك علي بن أبي طالب في جميع غزوات النبي ﷺ إلا غزوة تبوك، حيث استخلفه على المدينة في غيابه، ولما أثار المنافقون أن النبي ﷺ ما خلّف عليا إلا لشيء كرهه منه، تبعه علي يسأل عن سبب إبقائه إياه في المدينة، فقال له النبي الكريم “يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟”، فقال علي: “رضيتُ.. رضيتُ”.


مواقفه في ميادين الحرب:
كان علي رضي الله عنه من الثلاثة الذين انتدبهم النبي ﷺ لمبارزة رؤوس قريش في غزوة بدر الكبرى، كما أعطاه الراية يوم أحد (عام 3 هـ) بعد استشهاد مصعب بن عمير، وهو من الذين ثبتوا حول النبي ﷺ بعد نزول الرماة من الجبل وإحاطة خالد بن الوليد بجيش المسلمين.

وقد لقي علي في هذه الغزوة أكبر فرسان خيبر مرحب اليهودي وكان مضرب مثل في قومه بالشجاعة والإقدام، فلقيه علي وقتله.

علمه:
كان لطول ملازمة علي بن أبي طالب للنبي ﷺ أثر كبير في تكوينه العلمي، إضافة إلى ما وهب من قلب عَقول ولسان سؤول كما وصف نفسه، وقد روى عن النبي ﷺ زهاء 600 حديث، وهو أكثر من مجموع ما رواه الخلفاء الراشدون الثلاثة الآخرون مجتمعين، وحدّث عنه جمع كبير من الصحابة والتابعين.

وروى ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا قال: “أقرؤنا أبي (بن كعب) وأقضانا علي”، وقال ابن مسعود: “كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب”. وكان النبي ﷺ قد أرسله إلى اليمن داعيا وقاضيا.

فصاحته:
اتفقت كلمة الأدباء على أن علي بن أبي طالب عَلَم من أعلام البلاغة وإمام من أئمة الفصاحة، وقد أثرى أسلوبَه الخطابي تشبّعُه من القرآن الكريم والبيان النبوي الرفيع، فضلا عما لسليقته العربية التي ارتوت من معين فصاحة الأعراب وبلاغة أهل مكة من فضل وأثر.

وكثيرا ما كان يضمّن في خطبه وشعره التعبير القرآني والمفردة النبوية والمثل السائر البليغ، حتى صار موروثه الأدبي مطلبا لكل طالب أدب وبلاغة على مر الدهور.


ومن النماذج العالية من مواعظه، قوله بعد أن صلى بالناس الفجر: “لقد رأيت أصحاب رسول الله ﷺ فما أرى أحدا يشبههم.. والله لقد كانوا يصبحون شُعْثا غُبرا صُفرا، بين أعينهم مثل رُكَب المِعزى، قد باتوا لله سجّدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح، وهملت أعينهم حتى تبُلّ والله ثيابهم..”.

فضائله ومكانته:
لم تتعرض شخصية من شخصيات الصحابة لما تعرض له علي من التشويه والمغالاة والكذب والافتراء، فكثرت في سيرته الروايات المكذوبة والأخبار التالفة التي نسبت له الخوارق، أو ألصقت فيه من الصفات والمناقب ما ليس له، أو وضعت على لسانه ما لم يقله، فزعم بعضها الوصية له، وأنه وارث علم النبوة، ومفتاح مدينة العلم، وأن الحق يدور معه حيث دار، وأن ذكره عبادة، وحبه حسنة لا تضر معها سيئة، وغير ذلك من الأساطير والأباطيل التي لا تقوم على نقل صحيح ولا دليل صريح.

خلافته:
ما إن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان ونفض الناس أيديهم من دفنه حتى سارعوا إلى علي يريدون مبايعته بالخلافة، وقد أراد رضي الله عنه التملص من الأمر، ولما لم يجد بدًّا أحال أمر البيعة إلى أهل السابقة من المهاجرين والأنصار، فدفعوه إلى ذلك، غير أنه اشترط أن تكون في المسجد النبوي على رؤوس أهل المدينة، فقدِم المسجد وبايعه الناس، وكان ذلك في 18 من ذي الحجة عام 35 هـ. وقد كان ابن عباس يريد أن تكون البيعة في مكان خاص مخافة أن يَشْغَب على الحدث الثائرون على عثمان، وكانوا منتشرين في أزقة المدينة لا يبرحونها.

استشهاده:
“جاء الخوارج إلى على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، فقالوا له: اتق الله فإنك ميت، قال: لا.. والذى فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكن مقتول من ضربةٍ على هذه (وأشار إلى جبهته) تخضب هذه (وأشار إلى لحيته) عهد معهود وقضى مقضى، وقد خاب من افترى”، هذا ما أورده أبو داود الطيالسى فى (مسنده)، وذكره ابن كثير فى “البداية والنهاية”.

كان الإمام مستعدا لصلاة فجر يوم الجمعة 19 من رمضان فى سنة 40 هجرية، وكان ثلاثة من الخوارج قد اتفقوا معا على قتل كل من الإمام على ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص، وتكفل ابن ملجم بالإمام وتربص به حتى أصابه فى المسجد وهو داخل للصلاة إصابة قاتلة من سيف يقال بأنه مسموم، وظل الإمام يعانى من أثر الضربة ثم أسلم روحه الطاهرة إلى بارئها يوم الأحد فى 21 من الشهر الكريم.

كانت هذه الفترة ممتلئة بالتوتر والقلق فى المجتمع الإسلامى، فبعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، بدأت الفتنة الكبرى، فمعاوية بن أبى سفيان يحمل قميص الخليفة المقتول، ويطالب بالثأر (يا ثارات عثمان) وعلى بن أبى طالب يحاول الضبط والربط لكن الانشقاقات اتسعت والأيدى الخارجية تدخلت وأفسدت كل شىء، وحدثت واقعة التحكيم فزادت الأمر خبالا، وأصبح الناس يتحدثون عن معسكرين، العراق فى مواجهة الشام، وبينما الناس يلتفون حول معاوية كان على يعانى خذلان أتباعه له، ولعل من يراجع خطب الإمام فى تلك الفترة يلاحظ ما كان يعانيه الإمام، ويشعر بمدى الألم والشعور بالوحدة النفسية التى أحاطت بابن عم النبى وحبيبه.

تعددت أسباب مقتل الإمام، فرأى يذهب إلى أن الخوارج الثلاثة الذين اجتمعوا غاضبين مما حدث فى موقعة النهروان، قرروا أن يقتلوا ما زعموا بأنهم أئمة الضلال، وقد فشل مقتل «معاوية» وحدثت له إصابة فقط، بينما عمرو بن العاص أصابته علة ولم يذهب للصلاة يومها، وقتل من كان يصلى بالناس بدلا منه، واستطاع ابن ملجم أن يضرب على الذى فوجئ بالقاتل داخل المسجد وفى يده سيف مسموم، بينما يكمل البعض هذه القصة بظهور امرأة اسمها «قطام» أعجب بها «ابن ملجم» وكان أبوها قد قُتل فى «النهروان» وأنها اشترطت مهرا لها قتل الإمام على، حتى إن الشاعر يقول “فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطام من فصيح وأعجمى/ ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب (على) بالحسام المسمم/ ولا مهر أغلى من على وإن غلا ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.