ألمانيا تدشن مرحلة جديدة بحكومة تطبعها المناصفة

شابة، متنوعة وتعتمد مبدأ المناصفة.. ذلك وجه الحكومة الألمانية الجديدة التي يقودها منذ دجنبر 2021، الاجتماعي الديموقراطي أولاف شولز، بعد 16 سنة من حكم أنجيلا ميركل. لأول مرة منذ الخمسينيات، تجمع هذه الحكومة ثلاثة أحزاب: الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي، بأفق تدشين مرحلة جديدة من مسار البلاد والانكباب على أوراش عديدة تشغل شرائح المجتمع الألماني.

وحملت هذه الحكومة الجديدة الائتلافية طابع التجديد على أكثر من صعيد، ذلك أنه ولأول مرة، تولت نساء مناصب محورية كانت محصورة في السابق على الرجال. فقد آلت وزارة الداخلية مثلا لنانسي فايزر، ووزارة الدفاع لكريستين لامبريخت ووزارة الشؤون الخارجية للناشطة البيئية أنالينا بيربوك.

وتحددت الرؤية الأولى لهذه الحكومة التي تضم عددا متساويا من الوزراء والوزيرات في تثمين الجهود السابقة للبلاد، ومن ثمة الانكباب على عدد من الأوراش الكبرى التي تهم أساسا الاستثمار في البنيات الأساسية والانتقال الرقمي ومكافحة الاحترار المناخي مع هدف بلوغ الحياد الكربوني انطلاقا من 2030 ومواصلة تطوير الطاقات المتجددة.

ومنذ تولي أولاف شولز رئاسة الحكومة، اتخذت السياسة الخارجية للبلاد انعطافا استراتيجيا، نحو ألمانيا أكثر حضورا في الساحة الدولية، من خلال العديد من الزيارات الدبلوماسية التي شملت عدة بلدان.

وكان على أولاف شولز، الذي شغل سابقا منصب وزير المالية ونائب مستشار الحكومة السابقة، أن يتعامل مع ملفات هامة تتصل أساسا بمواصلة مجهود التلقيح ضد جائحة “كوفيد-19” والنزاع الروسي-الأوكراني، ورئاسة مجموعة السبع، والسياسة الطاقية للحكومة الفيدرالية.

وشغلت الأزمة الطاقية التي رافقها ارتفاع في الأسعار، مكانة محورية في أجندة الحكومة الألمانية خلال هذا العام. ويسعى الجهاز التنفيذي إلى إرساء مخطط فعال للأمن الطاقي قصد تعزيز استقلالية البلد تجاه واردات الطاقة الروسية.

وتريد ألمانيا التي كانت تعتمد في 50 بالمائة من وارداتها على الغاز والفحم الروسي، التخلص بشكل ملحوظ من تبعيتها للطاقة في روسيا. وتم لهذا الغرض اتخاذ تدابير من قبل الحكومة الفيدرالية قصد اقتصاد الطاقة وتقليص استهلاك الغاز في البلاد بـ 2 في المائة.

وتشمل باقة التدابير هاته اعتماد “درع دفاعي” بقيمة 200 مليار يورو، يروم دعم المواطنين أمام التضخم الذي يواصل ارتفاعه منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وكان إعلان الحكومة الفيدرالية عن هذا المخطط لحماية اقتصادها ضد ارتفاع أسعار الطاقة، قد أثار قلق عدد من الشركاء الأوروبيين الذين يخشون من منافسة غير شريفة في ظل عجزهم عن رصد مبالغ من هذا الحجم.

ودافع أولاف شولز الذي أصبح رابع مستشار اجتماعي ديمقراطي للجمهورية الفيدرالية عن مخططه لدعم الطاقة ضد انتقادات اللجنة الأوروبية، معتبرا أن الأمر يتعلق بباقة متزنة وذكية وحاسمة للإبقاء على الأسعار في سقفها المقبول.

وتمت الموافقة على هذا المخطط في أكتوبر الأخير، من قبل البرلمان الألماني “البوندستاغ” من خلال صندوق ضمان الاستقرار الاقتصادي لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.

كما عرفت هذه السنة إحداث الحكومة للجنة خبراء مكلفة بصياغة مقترحات وتوصيات حول الأشكال الملموسة لنظام التسعير المناسب. وتنص النسخة الأولية لهذه الآلية التي قدمها الخبراء على دعم 80 في المائة من استهلاك الأسر من مارس 2023 إلى أبريل 2024.

وعلى هذا الأساس، حددت الحكومة الثلاثية الأحزاب، التي تضم 16 وزيرا، مهمة لها طي صفحة السنوات “الميركلية” قصد الحفاظ على الثقل الاقتصادي للبلد داخل الاتحاد الأوروبي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.