هل على المغرب أن يعيد التفكير في نموذجه الزراعي؟
اعتمد المغرب من خلال مخطط المغرب الأخضر على الري والمحاصيل غير الموسمية المعدة للتصدير، وهو ما مكنه من تحقيق استراتيجية ناجعة اقتصاديا، إلا أنها مكلفة بيئيا، حيث تستنزف الموارد المائية لبلد يعيش أزمات جفاف متكررة.
فالمغرب يعمل على تصدير المياه التي هو في أمس الحاجة إليها من خلال تصدير الطماطم والبطيخ والفراولة والبرتقال، حيث ارتفعت نسبة الصادرات في الفترة ما بين 2008 و2018 إلى 156 بالمئة في البواكر، وبنسبة 33 بالمئة في الحوامض، فضلا عن الطماطم التي بلغ ارتفاع الصادرات فيها 213بالمئة، كما احتل المغرب هذه السنة رابع أكبر مصدر لها في العالم.
ولا يمكن إنكار نجاح هذا المخطط الذي ساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي الزراعي بنسبة 5.25 بالمئة سنويا، كما نمت الصادرات بنسبة 117 بالمئة خلال هذه الفترة، ومكن من خلق ما يقارب 340 ألف وظيفة، وفقًا للأرقام الرسمية؛ إلا أنه في المقابل زاد الضغط على موارد المياه.
وشكلت هذه المعطيات مصدر تخوف كبير لدى مختلف الفاعلين البيئيين والعلماء والنشطاء الجمعويين، محذرين من عواقب الزراعة كثيفة الاستخدام للمياه الموجهة إلى حد كبير نحو التصدير بدلا من الاكتفاء الذاتي.
وفي ذات السياق، وقع وزيري الزراعة والميزانية قرارا في 22 من شتنبر الماضي، يضع حدا للإعانات المقدمة لمحاصيل الحمضيات والبطيخ والأفوكادو، والتي تم انتقادها لمساهمتها في تجفيف مناطق معينة، حييث سيعمل هذا القرار على المستوى العملي على وقف الاستفادة من المساعدات للاستثمار في الري المحلي، من قبيل حفر الآبار والضخ ومعدات التنقيط وما إلى ذلك.
إلا أنه مع ذلك يظل قرارا محتشما بالنظر إلى حجم الأزمة من جهة، وحجم المستثمرين الذين سيكون لديهم الوسائل للتسوية دون دعم من جهة أخرى، فضلا على أن المزارع الكبيرة التي تستثمر في هذه المحاصيل المروية موجودة بالفعل وكافية للتأثير سلبا على الفرشة المائية.
وجذير بالذكر أن تراجع مستوى حقينة السدود بالمغرب لا يزال مستمرا، كما أن العديد من القريات والبلدات تشهد بالفعل مشاكل في الحصول على المياه للاستعمال اليومي.
فالمعضلة التي تواجه الدولة الآن هي كيفية التوفيق بين نموذج زراعي مكثف يمثل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف 40٪ من السكان العاملين، ولكنه يمثل في ذات الآن 85٪ من الاستهلاك الوطني للمياه، مع ضرورة الحفاظ على ما تبقى من موارد المياه؟ فهل أصبح من المحتم على المغرب أن يعيد التفكير في نموذجه الزراعي؟