تاج الدين الحسيني ل”جهات”: تنويع الشركاء خطوة أساسية لمواجهة تداعيات الأزمة المغربية الفرنسية

في ظل مناخ جيوسياسي دولي متقلب، يعيد تشكيل نفسه باستمرار بناء على المصالح المتغيرة بتغير التوازنات السياسية والاقتصادية، يصارع المغرب هو الآخر لضمان استمرار مصالحه والسعي وراء مكاسب أكبر تضمن له الريادة إقليميا.

فالمغرب بدوره، يعرف مرحلة تقلب علاقاته الديبلوماسية عموما، والتقليدية على وجه الخصوص، وهو ما تعبر عنه الأزمة الصامتة بينه وبين حليفه التقليدي الفرنسي.

وفي هذا السياق، يرى محمد تاج الدين الحسيني، دكتور وأستاذ القانون الدولي، أن ” العلاقات الدولية بشكل عام شبيهة بكتبان الرمال المتحركة التي تغير موقعها من حين إلى آخر نحو وجهة جديدة، دون أن يشعر المرء أحيانا بالحركية السريعة لهذا التغيير”، مؤكدا على أن العلاقات المغربية الفرنسية تعيش بدورها تموجات مرحلية كانت متوقعة.

ويضيف الحسيني، في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية، أن العلاقات المغربية الفرنسية تشهد عدة عوامل تؤدي إلى هذه التموجات، من بينها أزمة التأشيرة، وعقدة المستَعمِر والمستعمَر، وسعي المغرب نحو التخلص من التبعية؛ إلا أن هذه العوامل ليست الوحيدة، مشيرا إلى أن الوضع يتأثر أيضا بعدوانية الجار الجزائري في علاقته مع المغرب، حيث يعتبر أن قوته تكمن في ضعف محيطه، ولا يرى في هذا المحيط أي دولة أخرى باستثناء المغرب”.

وقال الدكتور تاج الدين إن “زيارة ماكرون للجزائر لم تكن بريئة بل كانت تحمل في طياتها الكثير من الأشياء الخفية بما فيها أن يكون البترول والغاز مقابل مواقف معينة قد تتخذها فرنسا في المستقبل”، موضحا أن “مسألة التأشيرات التي سرعان ما حل أمرها بالنسبة لتونس والجزائر لا تزال مستمرة في المغرب، حيث ظهر للجميع أنها لم تكن مجرد تكبيل إداري يهم محاصرة الهجرة السرية، بل قرار ذو طابع سياسي، لأن المعنيين بالتأشيرات لم يكونوا فقط أشخاص لا يتوفرون على ضمانات العودة إلى بلدهم، ولكنهم كانوا يضمون كذلك أطرا عليا، وزراء سابقين، مهنيين من أطباء مرموقين ومهندسين ومحامين..”.

من جهة ثانية، يعتبر الحسيني أن المغرب بدأ منذ 2016 في مسلسل تنويع شراكاته، حيث “توقف عن وضع كل بيضه في سلة واحدة”، مبرزا أن المغرب عمد إلى مواجهة التحديات التي تفرضها العلاقات مع بعض الشركاء التقليديين عبر خلق شراكات جديدة أكثر انفتاحا وتوسعا، حيث باتت تجمعه اتفاقيات شراكة مع كل من الصين والهند وروسيا، فضلا عن علاقاته في قلب أوروبا نفسها مع كل من ألمانيا واسبانيا.

ويرى الخبير الدولي أن المغرب مستعد لكي يكون “بمثابة منصة استراتيجية، لا تخدم فقط مصالح الشريك التقليدي الذي يتوفر فيه المغرب على مركز العضو المتفوق، ولكن كذلك على كيانات أخرى قد يكون التعاون معاها أكثر جدوى وفعالية”، مضيفا أنه إلى جانب التعاون المتوقع مع الولايات المتحدة بعد اعترافها بمغربية الصحراء، اتجه المغرب إلى تقوية علاقاته مع الجنوب الأفريقي، “خاصة نيجيريا، وهو ما سيتحقق عبر أنبوب الغاز الذي سيحمل هذه المادة الحيوية عبر 11 دولة افريقية، ناهيك عن مرورها بالمغرب، ثم اسبانيا، فأوروبا”.

إلا أن هذا السعي الدؤوب للمغرب يقابله الجهد الجهيد الذي تبذله الجزائر لتطويقه من خلال التأثير في تونس، ومحاولة التأثير كذلك في موريتانيا لتغيير موقفها من الوحدة الترابية للمملكة، فضلا عن التقلبات الأخرى من قبيل ما وقع في السودان الجنوبية مؤخرا من إعادة التطبيع مع البوليزاريو، أو حادثة كينيا “التي بعدما أقر الرئيس بسحب الاعتراف من جمهورية الوهم، عاد  ما يسمى بالحرس القديم الذي كان مع الرئيس السابق، ليغير هذه الصورة مستغلا ذهاب الرئيس إلى بريطانيا لحضور جنازة الملكة اليزابيث” وفق ذات المتحدث.

وعودة لفرنسا، يؤكد تاج الدين الحسيني أن العلاقات المغربية رغم هذه التقلبات إلا أنها مبنية على مصالح متعددة للطرفين بدأ من التعاون بين البلدين في مجال محاربة الهجرة السرية والجريمة المنظمة والإرهاب، فضلا على أن المغرب يمثل الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، عبر أكثر من 950 فرع لشركات فرنسية توفر نحو 100 ألف فرصة عمل، وفق ذات المتحدث، وهو ما يجعل الحديث عن قاطعة تامة أمرا مستبعدا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.