المغرب وفرنسا.. أزمة صامتة وسيناريوهات متباينة في الأفق
رغم إلتزام الرباط وباريس الصمت، وعدم إدلائهما بأي تصريح رسمي يؤكد أو ينفي وجود أزمة بين الحليفين التقليديين، إلا أن المؤشرات الديبلوماسية والاقتصادية تتجه نحو تأكيد وجود أزمة صامتة وعميقة بين البلدين.
وتتجلى أبرز هذه المؤشرات في غياب أي تواصل رسمي بين مسؤولي البلدين خلال الفترات الماضية، فضلا عن أزمة التأشيرة التي أصبحت تقتصر على المواطنين المغاربة دون الجزائريين أو التنوسيين، بعد أن تخلت سفارات وقنصليات فرنسا في البلدين عن معظم الإجراءات التعسفية في هذا الشأن؛ حيث باتت أزمة التأشيرة تكشف بوضوح أبعاد أزمة سياسية وديبلوماسية بين البلدين.
وتمتد بدايات الأزمة الصامتة بين البلدين لما يسبق أزمة التأشيرة، وعلى وجه التحديد، عندما اتهمت صحف فرنسية الرباط في يوليو 2021 باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية، من بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعديد من الشخصيات الفرنسية، عبر برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، وهو ما رفضه المغرب عبر بيان رسمي، ورفع على إثره دعوة قضائية بتهمة التشهير ضد الصحف الفرنسية التي روجت للخبر، وهو الأمر الذي قابله القضاء الفرنسي بحفضه لهذه الدعوة.
وفي ذات السياق، قال محمد تاج الدين الحسيني، دكتور وأستاذ القانون الدولي، إن “العلاقة المغربية الفرنسية كانت بالضرورة ستعيش هذا النوع من التموجات المرحلية، خاصة أن فرنسا تمثل المستعمر سابقا والمغرب هو من خضع لاستعمارها”، مؤكدا أن الأزمة الحالية ليست الأولى في تاريخ البلدين، حيث تعاقبت الأزمات بدأ من أزمة مقتل المهدي بن بركة في فرنسا خلال الستينيات، وتداعيات ذلك على الساحة المغربية وعلى العلاقات القائمة بين الطرفين، إلى جانب أزمة “مؤتمر لامبولد” الذي حضره العاهل المغربي الحسن الثاني ثم انسحب منه على حين غرة ليترك وزيره في حقوق الإنسان.. ووصولا إلى الخلاف الذي تزامن مع اعتلاء ماكرون لرئاسة فرنسا حول أساليب التدبير الديموقراطي وقضايا حقوق الإنسان.
وأشار الدكتور تاج الدين، في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية، إلى أنه هناك سيناريوهين محتملين للعلاقات المغربية الفرنسية؛ فالسيناريو الأول سيناريو متفائل، يفيد عودة المياه إلى مجاريها، والذي قد يتأتى بزيارة ماكرون للمغرب، مؤكدا أن العلاقات بين البلدين علاقات مبنية على مبدأ رابح رابح في مجالات عدة، رغم “أن العديدين يرجحون ممارسة فرنسا لنوع من الاستغلال في هذه العلاقة، شأنها في ذلك شأن كل الدول القوية مع الدول الصاعدة في أفريقيا”.
هذا وتشكل الجالية المغربية بفرنسا شريحة عريضة، وبمواصفات مختلفة عن السابق، حيث “أصبحوا يشكلون أطرا متفوقة علميا ومشاركة في معاهد الأبحاث ومراكز اتخاذ القرارات وكذاك حتى في الجهات والمؤسسات المنتخبة، وهذا تطور نوعي لم تعرفه العلاقات في الماضي”؛ كما تطال مجالات التعاون بين البلدين مجال محاربة الهجرة السرية والجريمة المنظمة والإرهاب، فضلا على أن المغرب يمثل الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، عبر أكثر من 950 فرع لشركات فرنسية توفر نحو 100 ألف فرصة عمل، وفق ذات المتحدث.
وأضاف الدكتور تاج الدين، أن هذا هو السيناريو الأمل، لكن إلى جانبه هناك السيناريو المتشائم، وهو أن تنحدر العلاقات المغربية الفرنسية نحو الركود والفتور، دون الوصول إلى القطيعة، مؤكدا أنه بالمقابل اتجه المغرب منذ سنة 2016 إلى سياسة “ألا يضع كل بيضه في سلة واحدة، وأن يواجه التحديات التي تفرضها العلاقات مع بعض الشركاء التقليديين عبر خلق شراكات جديدة أكثر انفتاحا وتوسعا”.
فقد طور المغرب علاقاته مع العديد من الشركاء الجدد، من قبيل الصين وروسيا وألمانيا وإسبانيا، فضلا عن تقوية علاقاته بالجنوب الأفريقي، حيث أضحى “المغرب مستعد لكي يكون بمثابة منصة استراتيجيه لا تخدم فقط مصالح الشريك التقليدي الذي يتوفر فيه المغرب على مركز العضو المتفوق، ولكن كذلك على كيانات أخرى قد يكون التعاون معاها أكثر جدوى وفعالية”.