هل زيارة ماكرون المرتقبة تحمل نهاية للأزمة المغربية الفرنسية؟

تتحرك الدبلوماسية الفرنسية صوب المغرب مجددا من بوابة الرئيس إيمانويل ماكرون وإعلان زيارة مرتقبة إلى المملكة دون الإفصاح عن طبيعتها، ويرجح البعض أن الزيارة تربو فتح حوار إستراتيجي جديد على أرضية محور الرباط باريس. فهل تشكل زيارة ماكرون للمغرب المعلن عنها في أكتوبر المقبل نهاية للأزمة؟

التحليلات التي تفيد وجود أزمة “صامتة” بين المغرب وفرنسا تستند إلى وقائع متراكمة عدة، منها استمرار رفض فرنسا تأشيرات عدد من المغاربة، من بينهم وزراء سابقون وبرلمانيون وفنانون وأطباء، وأيضاً غياب تبادل زيارات مسؤولي البلدين منذ فترة خلت.

كما تسببت قضية التجسس بتلبّد سماء العلاقات بالغيوم، حيث اتهمت صحف فرنسية الرباط في يوليوز 2021، باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”.

هي أزمة صامتة بين المغرب وفرنسا لكن غير خافية، في غياب أي تصريحات رسمية من الجانبين. فقد بدأت فرنسا، في الآونة الأخيرة، لا تخفي انزعاجها من مبادرات قام بها المغرب لتنويع علاقاتها، خصوصا العلاقة الثلاتية الجديدة التي تضم المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، التي تصب في صالح الديبلوماسية المغربية، وحسب خبراء يبدو أن باريس معنية بملفات اقتصادية عديدة، ولا تريد فقدان حصة الأسد في السوق المغربية لصالح بلدان أخرى. أما في المغرب، فإن هناك عدم رضا على الموقف الفرنسي غير الحازم في ملف الصحراء.

من جانب آخر، يرى مراقبون أن الحديث عن أزمة سياسية صامتة بين البلدين ليس سوى “للاستهلاك الإعلامي”، بدلالة أن العلاقات الاقتصادية لا تزال في أوجها، كما أن التعاون الأمني والاستخباراتي في ذروته، علاوة على دعم فرنسا القضايا التي تعتبرها المملكة مصيرية بشكل من الأشكال، من قبيل نزاع الصحراء.

لكن بعد الخطاب الملكي الأخير حول مطالبة الأصدقاء التقليديين توضيح موقفهم من الصحراء، الذي تلته زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر في تقارب واضح بين البلدين، “صب الزيت فوق النار”، والظاهر أن التطورات الجيوسياسية في العالم وأزمة الغاز فرضت على فرنسا التقرب إلى الجزائر وهي تطمع لتوقيع اتفاقيات وعقود، في وقت كان يطمح فيه العديد أن يلعب ماكرون دور الوسيط لحل الأزمة المغربية الجزائرية.

وتزايدت المطالب في المغرب بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في حق الفرنسيين الراغبين في زيارة البلاد، في وقت لاتزال فيه المصالح الدبلوماسية الفرنسية ترفض عدد كبير من طلبات المغاربة للحصول على تأشيرة دخول الأراضي الفرنسية، على الرغم من استيفاء كثير منهم الشروط القانونية، بينما عاد إصدار التأشيرات الفرنسية للتونسيين إلى مستواه الطبيعي.

في السياق ذاته، قال زهرالدين الطيبي، باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن “المغرب في انتظار موقف متقدم من زيارة ماكرون التي قد تأتي أم لا تأتي، وفرنسا مطالبة بموقف أكثر وضوح في قضية الصحراء الذي يصل للاعتراف بمغربية الصحراء على غرار الولايات المتحدة الاميركية، أو موقف متقدم لصالح المغرب على الأقل، لأنه لا يمكن أن نكون شركاء اقتصاديين وتستفيد فرنسا لوحدها من العلاقة الثنائية، وعلى فرنسا أن تدرك جيدا أن قضية الصحراء هي قضية محورية”.

وأضاف الخبير، “لا أعتقد أن الموقف الفرنسي سيتغير على عهد ماكرون الذي عرفت العلاقات بين البلدين نوعا من البرودة في عهده من طرف صناع القرار الفرنسيين والمغاربة وهي مرشحة أن تتستمر على ذات المنوال ليس لدرجة القطيعة، لكن سيحضر نوع من تدبير الأزمة مؤقتا إلى غاية نهاية ولاية ماكرون، والسؤال المطروح هو هل ستستطيع فرنسا إبداء رأييها بخصوص القضية الراهنة الخروج عن المنطقة الضبابية خصوصا مع الأزمة الطاقية الراهنة وعلاقتها مع الجزائر”.

وأشار الطيبي، إللى أن “فرنسا دائما ما تحاول إمساك العصا من الوسط، غير أن الوضع الآن لم يعد يرق للمغاربة وصناع القرار بالمغرب، وإذا تمت هاته الزيارة المرتقبة في شهر أكتوبر فليس المهم هو الزيارة في حد ذاته بقدر ماهو مهم ما ستقدمه من إضافة بالنسبة للقضايا المحورية، رغم أن مجموعة من الدول الأوروبية سبقتها إلى ذلك ولا أعتقد أن فرنسا لها القدرة على استيعاب القرارات المضادة المغربية بما في ذلك المطالبات بتغيير اللغة الفرنسية من المقررات المغربية وغيرها”.

تاريخ الأزمات بين المغرب وفرنسا

 يؤرخ خبراء الأزمات التي كانت تشوب العلاقات المغربية الفرنسية منذ استقلال المغرب إلى غاية ما بات يعرف بالأزمة الصامتة، بداية خلال فترة الستينيات لنذكر أول أزمة دبلوماسية بين المغرب وفرنسا بعد الاستقلال، والتي تعود إلى سنة 1960 في عهد الجنرال ديغول، الذي قام بتجارب نووية في الصحراء الشرقية إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهو ما أثار حفيظة الملك محمد الخامس آنذاك، الذي احتج أمام الأمم المتحدة وحشد دعم الدول الإفريقية لإدانة هذه التجارب.

وتجددت الأزمة الدبلوماسية أثناء ثورة التحرير الجزائرية، حيث ساند المغرب الرسمي والشعبي المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، فردت فرنسا برسائل شديدة اللهجة كادت تعصف بالعلاقات المغربية الفرنسية.

يليها الصراع الذي اتسمت به العلاقات المغربية الفرنسية خلال ثمانينيات القرن الماضي، خصوصا بعد انتصار فرانسوا ميتران وصعود الاشتراكيين إلى الحكم، حيث بدأت ملامح هذه الصراعات والتوترات تظهر من خلال تقارير حول وضعية حقوق الإنسان، خاصة مع ما كان يعيشه المغرب من مشاكل جراء ما كان يعرف بسنوات الجمر والرصاص، بالإضافة إلى تزامن ذلك مع أحداث يونيو 1981 بمدينة البيضاء، واعتقال الزعيم الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد وبعض رفاقه، مما أدى إلى بعض التوترات.

هذه السحب السوداء ليست الوحيدة التي خيمت على العلاقات بين باريس والرباط، لكن كانت هناك بعض الانفراجات في عهد الرئيس جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، بالرغم من أنه في عهد شيراك كانت الحكومة اشتراكية وعرفت مرحلتها نوعا من التوترات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.