ما الذي ينتظر الأمن الطاقي للمغرب بعد أزمة الغاز بين روسيا وأوروبا؟

عمدت روسيا إلى قطع إمدادات الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، إلى أوروبا الأربعاء الماضي بسبب الصيانة، لتعود يوم الجمعة الموالي وتعلن عن وقف غير محدد الآجال لإمدادات الغاز الروسية.

وتعد أنابيب “نورد ستريم 1” شريانا رئيسيا ينقل إمدادات الغاز الروسية الضخمة إلى أوروبا، حيث يضمن 35 في المئة من واردات الغاز بأوروبا، وبذلك يعد سلاحا قويا في يد روسيا لأجل مواجهة العقوبات الأوروبية، وكذا لتمويل حربها ضد أوكرانيا.

تأثير انقطاع امدادات الغاز الطبيعي على أوروبا

من جهة ثانية، يكفل أنبوب “نورد ستريم 1” الممتد على عمق 1200 كيلومتر تحت بحر البلطيق من الساحل الروسي بالقرب من مدينة سان بطرسبرغ، إلى شمال شرق ألمانيا، منذ 10 سنوات، نقل نحو 170 مليون متر مكعب من الغاز يوميا نحو أوروبا.

ويشكل وقف الإمدادات الروسية للغاز أزمة حقيقية لأوروبا بأكملها، حيث تعتمد عليه بشكل أساسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة.

هذا وقد أدى خفض مستوى الإمدادات الروسية في يونيو 2021 ب40 بالمئة، ثم في غشت 2021 ب20 بالمئة، إلى رفع سعر الغاز بشكل خيالي، حيث بلغ الآن نسبة أعلى بنحو 450 في المئة مما كان عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ في الاقتصادات الأوروبية وتسريع الركود الاقتصادي بالقارة العجوز.

وقد تكبدت الحكومات الأوروبية عناء إنفاق المليارات لتخفيف عبء هذا الارتفاع على تكلفة المعيشة للمستهلكين، كما أدى أيضا إلى زيادة التكاليف على الشركات.

فبينما ينكر الطرف الألماني وجود أي أعطاب في الأنبوب المورد، يعزي فلاديمير بوتين هذا المشكل إلى العقوبات الغربية التي تسببت وفق تصريحه في تلك الانقطاعات من خلال الإضرار بالبنية التحتية الروسية.

كيف يمكن لأوروبا أن تقلص خسائرها؟

تعتزم ألمانيا شراء خمس محطات عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة، لأجل إنهاء اعتمادها على الغاز الروسي، بالإضافة إلى الاستعانة بمصدرين آخرين؛ إلا أن ذلك لن يتحقق في الأمد القريب، حيث يجدر بها بناء خطوط أنابيب جديدة تمتد من الساحل إلى بقية ألمانيا.

وتتجه مختلف الدول الأوروبية إلى تنويع مصادرها الطاقية، بدأ من استيراد المزيد من الغاز من الجزائر للتعويض عن نقص الغاز الروسي، وصولا إلى إجراءات عديدة لنقص الاستهلاك.

وفي هذا السياق، قال ياسين عاليا، أستاذ وخبير اقتصادي، إن “أوروبا لا تملك أي خيارات سوى التعايش مع الوضع الحالي، واللجوء إلى الطاقات البديلة، لأنها لا تمتلك بنيات تحتية للتخزين، ولإسالة الغاز حتى إن توفر هذا الغاز”، مؤكدا أن أوروبا ستلجأ إلى تعديل نمط استهلاكها.

ويضيف الخبير الاقتصادي، في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية، أن أوروبا اتخدت مجموعة من الاجراءات من قبيل تخفيف استعمال المكيفات الهوائية والمسخنات أيضا، وتوقيف استهلاك الكهرباء حيث سيتم توقيف اللوحات الإشهارية في المتاجر والشركات، فضلا عن إعادة تشغيل، أو تأجيل توقيف محطات إنتاج الطاقة النووية في كل من ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى العودة إلى استغلال الفحم الحجري بشكل كبير رغم أنه يستورد هو الآخر من روسيا.

وأوضح ذات المتدخل أن “الفترة المقبلة ستكون صعبة جدا، ليس في مسألة التدفئة في الشتاء الأوروبي البارد بل أيضا في استعمال الطاقة في النشاط الصناعي، وسيشكل صدمة كبيرة للاقتصادات الأوروبية”.

ما انعكاس هذه الأزمة على الأمن الطاقي بالمغرب؟

بعد أن قررت الجزائر في أكتوبر 2021 عدم تجديد العقد المتعلق بخط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي الذي كانت تستخدمه لتصدير الغاز إلى إسبانيا عبر المغرب، عقب التوترات الديبلوماسية بين البلدين، استعان المغرب بإسبانيا لتوفير حاجياته من الغاز.

وقد تمكن المغرب من الحصول على الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية، من خلال الاستعانة بإسبانيا التي تكلفت بإيصاله إلى مصنع لإعادة التحويل في شبه الجزيرة الإسبانية، ثم الاعتماد على خط أنابيب الغاز المغاربي (جي إم إي) لنقله إلى المغرب، دون أن يكشف البلدين عن طبيعة العقد الذي يجمعهما والمدة الزمنية التي سيستمر فيها.

إلا أنه مع الأزمة الحالية، التي تلقي بضلالها على إسبانيا كذلك، هل سيكون بمقدور هذه الأخيرة الاستمرار في تزويد المغرب بالغاز المسال؟

في هذا السياق قال، الخبير الاقتصادي، ياسين عاليا: “من الوارد جدا أن تتأثر الواردات المغربية من الغاز المسال، القادم من إسبانيا إن كان العقد الذي يجمعها باسبانيا عقدا قصير الأمد، أما إذا كان من العقود الآجلة فسيستمر تطبيقه، مضيفا أن العقود الفورية سترتفع أثمانها، خاصة أن تضاعف سعر الغاز لما يفوق 400 بالمئة سيؤدي الى ارتفاع كلفة الغاز.

وأضاف ذات المتحدث أنه من الممكن جدا أن تتوقف إسبانيا عن إمداد المغرب بالغاز، حيث ستقدم محطات إسالة الغاز في ايسبانيا خدماتها بشكل أكبر إلى الدول الأوروبية التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي.

كيف يمكن للمغرب مواجهة هذه الأزمة؟

يؤكد ياسين عاليا أن على المغرب أن ينتهج سياسة تقشفية بالنسبة لاستهلاك الطاقة كما هو الحال بالنسبة لأوروبا، مشيرا إلى ضرورة تنمية موارده الذاتية من خلال الطاقات البديلة، و”التي تشكل خيارا استراتيجيا بالنسبة للمملكة في اطار رؤية 2030 الطاقية، والتي من المتوقع أن ننتج أكثر من 50% من الحاجيات الكهربائية الوطنية من الطاقات المتجددة، أي الطاقة الشمسية والطاقة الريحية”.

إلا أن هذه الاجراءات لن تعطي مفعولا فوريا،  بحيث يتعين على المغرب أن يعمل على توفير الطاقة ومصادرها بشكل كبير، والتركيز على المصادر البديلة للغاز الذي يشكل نقطة الضعف الأكبر في الجانب الطاقي، خاصة أن المغرب غير مرتبط بشكل كبير بالنفط الروسي، وترتكز وارداته على  منطقة الشرق الأوسط وفق ذات المتحدث.

ويضيف ياسين عاليا أن ” الخسارة الكبرى هي بالنسبة للغاز الجزائري، ولكننا تعودنا أو لنقل تجاوزنا هذه المحنة”، مؤكدا أن ذلك لن يمنع من أن كلفتها ستكون كبيرة جدا من خلال الكلفة الاقتصادية للدعم الذي سيتم تقديمه في صندوق المقاصة، والذي سترتفع مصاريفه في قادم الأيام.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.