كريمة غانم: المنطقة المغاربية تشهد تشكل معسكرات جديدة في خضم صراع جيوسياسي واقتصادي
بعد إنقضاء 33 سنة على تأسيس الاتحاد المغاربي، الذي برهن عن فشله في تقديم النتائج المرجوة منه، وفي ظل وضع سياسي واقتصادي متوتر بالمنطقة، ميسمه التفرقة والصراع، برزت إلى الواجهة تحالفات جيوسياسية جديدة، تتنازع فيما بينها حول الحضور الاقليمي في بعده الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي..
فقد كشفت الأزمة التونسية-المغربية الأخيرة عن معالم تشكل خريطة جيوسياسية جديدة بالمنطقة، تبرز تونس فيها ضمن المعسكر الجزائري، بتعاون مستتر من فرنسا، وانضمام إيثيوبي حديث، مقابل حلف مغربي مصري.
حيث كشف استقبال الرئاسة التونسية للزعيم الانفصالي “ابراهيم غالي” عن انزياح تونس عن حيادها، ودخولها في المعسكر الجزائري، خاصة في ظل عدم وجود أي مبرر منطقي لحضور زعيم الانفصاليين في مؤتمر خاص بالدول الأفريقية التي تربطها علاقات عمل مع اليابان.
وفي هذا السياق، اعتبرت كريمة غانم، رئيسة المركز الدولي للدبلوماسية، أن “استقبال الكيان الوهمي من طرف رئيس الجمهورية التونسية، ما هو إلا تنفيد لأجندة جزائرية في سلسلة من المناورات التي تقوم بها بهدف ضرب المغرب في قضية وحدته الترابية والوطنية، وأيضا محاولة خلق معسكرات جديدة تحاول فيها الجزائر أن تلعب دورا في المنطقة بعدما عزلت نفسها دوليا”، مضيفة أن الأزمة الروسية الأوكرانية فتحت المجال للجزائر كي تلعب بورقة الغاز، منتهجة بذلك سياسة الريع المالي لتؤثر على دول مثل تونس التي على مشارف الافلاس.
وأوضحت رئيسة المركز الدولي للديبلوماسية، في تصريحها لجريدة “جهات” الإلكترونية، أن المعسكر الجديد الذي يضم كل من تونس والجزائر تشكل لعدة اعتبارات، فمن جهة، يمكن إرجاع انضمام تونس لهذا الحلف نتيجة “استغلال الرئيس قيس سعيد للتمويل الجزائري كي يظفي غطاء سياسيا على قراراته التي انقلبت على الدستور والمؤسسات، ويحاول بذلك ربح الوقت من خلال كسبه بعض التأييد، عبر جلب أموال الجزائر للحد من العجز المالي اللتي تعرفه الدولة ومواصلة تأدية أجور الموظفين تجنبا لإعلان إفلاس الدولة كما حصل في لبنان”.
أما من الجانب الإثيوبي، فلا يمكننا فصل توقيت الزيارة عن تجدد أزمة سد النهضة بين إثيوبيا ومصر، والذي تحاول الجزائر أن تلعب فيه دور الوساطة، حيث قالت كريمة، إن التقارب الجزائري الإيثيوبي ظاهر بجلاء من خلال حلول رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، يوم 29 غشت 2022، في الجزائر، في زيارة “رسمية” مفاجئة، بعد الزيارة الأولى للرئيسة الإثيوبية، ساهل وورك زودي، قبل أقل من شهرين.
وتضيف ذات المتحدثة، أن السياق العام لهذه التشكلات لا يقتصر على هذا، بل يتعلق أيضا بانضمام الجزائر إلى مجموعة “جي 4″، التي تضم الجزائر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا، والتي أعلن عنها على هامش قمة الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي ببروكسل، مؤكدة أنها ليست بالمجموعة البريئة، كونها تجمع بين دول ذات وزن سياسي واقتصادي أفريقيا، وتعترف بالكيان الوهمي.
وفي سياق تأثير تشكل هذه المعسكرات على الوحدة الأفريقية، قالت كريمة غانم، إن “هاته التكتلات تحاول أن تخلق مجموعات داخل مجموعات، مما سيعيق عمل الاتحاد الأفريقي الذي كان دائما يدافع عن الوحدة الافريقية. جاء هذا في التوقيت الذي يعرف الاتحاد الأفريقي إعادة الهيكلة، وهناك مخاوف من تعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي للسماح بالتصويت على بند طرد عضو من الاتحاد و بذلك إمكانية فقدان الجزائر لورقة البوليساريو التي تضغط بها على المغرب”.
وأكدت كريمة، أن ما يقع اليوم في المنطقة هو صراع جيوسياسي واقتصادي بين مختلف المعسكرات التي بدأت تتشكل إبان الحرب الروسية الأوكرانية في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعرفها العالم اليوم، “إنها حرب مواقع سيلعب فيها الأمن الطاقي والغذائي والمائي دورا محوريا في المستقبل القريب”، مشيرة إلى الزيارة الأخيرة لماكرون تأتي ضمن محاولة فرنسا إعادة ترتيب أوراقها لاسترجاع ريادتها في شمال افريقيا من خلال تحريكها لعدة أوراق ضغط، بدئا من رفض الفيزا وصولا إلى ضغوطات أخرى بعدما تضررت مصالحها السياسية والاقتصادية في شمال أفريقيا.