هل اختار قيس سعيد الغاز الجزائري على حياد الصحراء؟
يبدو أن الحاجة إلى خفض أسعار الغاز كانت الدافع وراء قرار دعوة إبراهيم غالي إلى تونس، الأمر الذي أنهى عقودًا من الحياد.
وكان السعيد، يعمل بجد لإثبات شرعية رئاسته التي تم تمكينها حديثًا وسط الأوقات الاقتصادية الصعبة في تونس.
لذلك الظاهر أن الرئيس التونسي قيس سعيد أعطى الأولوية لخفض أسعار الغاز المحلي من خلال التفاتة رمزية للجزائر على موقفها الحيادي طويل الأمد بشأن نزاع الصحراء المغربية، حيث أنهت تونس الجمعة الماضية، بشكل مفاجئ، عقودًا من الحياد إثر استقبالها إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية.
كما يبدو أن الزيارة الرمزية لزعيم البوليساريو إلى تونس، ظاهريًا فقط لحضور مؤتمر التنمية بين اليابان والاتحاد الأفريقي، هي تحول في السياسة الخارجية مدفوعة بالاقتصاد المحلي.
أزمة الغاز في تونس
واجهت تونس، التي تعتمد على الجزائر للحصول على 65٪ من الغاز الطبيعي، ارتفاعًا مستمرًا في أسعار الطاقة المحلية وسط تباطؤ اقتصادي عالمي اتسم بارتفاع أسعار الغذاء والوقود، ففي شهر أبريل الماضي، اضطر المسؤولون التونسيون إلى الإعلان عن أن الحكومة سترفع أسعار الوقود المحلية بنسبة 3٪ كل شهر لبقية العام.
في غضون ذلك، منذ الاستفتاء المثير للجدل الذي منحه سلطات جديدة واسعة، يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد يائس من إظهار للتونسيين أنه قادر على توفير الاستقرار السياسي وتقليل الصعوبات الاقتصادية.
وتمت إدانة الاستفتاء الدستوري دوليًا بشدة باعتباره خطوة إلى الوراء للديمقراطية التونسية، حيث وصفت المعارضة التونسية والعديد من المراقبين المستقلين هذه الخطوة بأنها “انقلاب دستوري”.
ونتيجة لذلك، كان سعيد يعمل بجد لإثبات شرعية رئاسته التي تم تمكينها حديثًا وسط الأوقات الاقتصادية الصعبة في تونس.
أبدت الجزائر استعدادها لمساعدة تونس، على الرغم من مشاكلها الاقتصادية الأليمة، لاسيما من خلال تزويد الحكومة التونسية بقرض قيمته 300 مليون دولار في نهاية العام الماضي. سمح القرض لتونس بسداد بعض ديونها، ومن المحتمل أن يكون بمثابة “تحلية” لمزيد من المشاركة الدبلوماسية لصالح الأولويات الإقليمية للجزائر.
العلاقات التونسية الجزائرية
كان أحد العوامل الكبيرة التي أثرت على مداخيل التونسيين هو ارتفاع أسعار الطاقة التي أثرت على الشركات المحلية والأفراد على حد سواء. ومع إنتاج 35٪ فقط من احتياجاتها من الغاز محليًا، اتجه الرئيس التونسي إلى جارته الغربية من أجل الإغاثة.
كانت حاجة سعيد لاسترضاء الجزائر واضحة منذ سنوات. وكانت زيارته الدولية الأولى بعد فوزه بالرئاسة في عام 2020 هي رحلة إلى الجزائر العاصمة، والتي أثبتت أنها علامة على ما سيحدث في المستقبل.
ومنذ ذلك الحين، حدثت للرئيس سعيد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سلسلة من التفاعلات، من المكالمات الهاتفية المتكررة والتفاني الدبلوماسي، إلى الزيارات الرسمية إلى عواصم بعضهما البعض.
يبدو أن جزءًا رئيسيًا من المناقشات الأخيرة بين الرئيسين الأقوياء محليًا كان موضوع إمدادات الغاز الجزائرية إلى تونس. في اجتماع أخير في يوليو، يبدو أن الاثنين قد توصلا إلى صفقة.
الصفقة
لقد أنهت تونس الآن موقفها المحايد من نزاع الصحراء المغربية لصالح لفتة رمزية للجزائر، من خلال دعوة والترحيب الشخصي بزعيم البوليساريو إبراهيم غالي في تونس، في إشارة إلى التحول الكبير في السياسة الخارجية مقابل علاقة أوثق مع الجزائر.
في حين أنه لا توجد تفاصيل مهمة حول التفاعلات الأخيرة بين سعيد وتبون متاحة للجمهور، فقد أظهرت الجزائر في السنوات الأخيرة أنها سعيدة بتسليح احتياطاتها من الغاز الطبيعي لفرض تغييرات دبلوماسية.
لذلك يبدو أن إغضاب المغرب هو الثمن الذي يرغب الرئيس سعيّد في دفعه لخفض أسعار الوقود المحلية، ورفع مستويات المعيشة في تونس، وبناء الشرعية السياسية لرئاسته، ومن المرجح أن تشهد تونس انخفاضًا في سعر الغاز الجزائري وتعميق علاقتها مع الجزائر.
يبدو أن البلدين، اللذان أعادا فتح الحدود البرية مؤخرًا بعد عمليات الإغلاق المتعلقة بـ COVID-19، قد اتفقا على “مقايضة” توفر لتونس بعض الراحة الاقتصادية، والجزائر “فوز” دبلوماسي ثانوي.
وبعد سنوات من عدم الأهمية الدبلوماسية، من المرجح أن يستعرض النظام الجزائري ترحيب تونس بغالي محليًا على أنه تحول في الزخم الدبلوماسي.
سياسة الرد
على مدى سنوات، رحب المغرب بالتأييدات الرئيسية لخطة الحكم الذاتي الخاصة به لإنهاء نزاع الصحراء من الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل ألمانيا وهولندا وإسبانيا، فضلاً عن اعتراف الولايات المتحدة الصريح بالسيادة المغربية على المنطقة.
في غضون أسبوع من مطالبة العاهل المغربي محمد السادس لشركائها الدوليين بتوضيح موقفهم من نزاع الصحراء، من المرجح أن يؤدي تحول تونس المفاجئ عن الحياد إلى تلقي الأخيرة نفس المعاملة التي واجهتها مدريد وبرلين خلال العام الماضي.