هل هو حصار دبلوماسي واقتصادي تقوده فرنسا لكسر إرادة المغاربة؟

هجوم ممنهج، غير بريء، يتعرض له المغرب اليوم، يستهدف ملكه وتاريخه ومؤسساته ووحدته الترابية بشكل مباشر، دول عظمى وجيران لم يستسيغوا بعد حجم التطور الذي حققه المغرب في العقود الأخيرة، وأنه أصبح قوة اقليمية واعدة، له قراراته المستقلة، ودبلوماسيته القوية، منفتح على أوروبا وأمريكا والصين وروسيا وأوكرانيا واليابان معا بكل ثقة، ومنذ اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بمغربية الصحراء كقرار تجاوزت به أمريكا كل دول الجوار، تعالت المواقف المعادية للمغرب بشكل كبير، وسقطت الاقنعة وظهرت المواقف المزدوجة المستغلة للصراع المفتعل بالصحراء المغربية.

لقد كانت الخطابات الأخيرة لصاحب الجلالة واضحة، رافضة لازدواجية المواقف، إما معي أو ضدي، وستكون الصحراء المغربية هي النظارة التي يرى بها المغرب ويقيم علاقاته مع الدول، هذه الخطابات تلقتها مجموعة من الدول، وصححت مسارها كاسبانيا والمانيا وهولندا وبريطانيا وغيرها. لكن فرنسا التي كانت الى وقت قريب المساند الرسمي للمغرب والمستفيد الأكبر من مشكل الصحراء أصبحت اليوم أكثر بعدا عن المغرب وسياسته، بل أضحت في كثير من الأحيان تعلن امتعاضها من القرارات السيادية للمغرب كتوجهه لافريقيا وجذبه للاستثمارات الخارجية ونجاحه في تدبير جائحة كوفيد وحصوله على اللقاح وغيرها من الأمور، لدرجة أن اعتبرته ندا لها ومستفزا لها في مجالات كانت حكرا عليها بالقارة السمراء.

اليوم وبعد عودة العلاقات المغربية الاسبانية لسابق عهدها وأقوى، وتصحيح ألمانيا لمواقفها السابقة المتشنجة من الصحراء، اتجهت فرنسا، لاغاضة المغرب، صوب الجزائر، وأصبح الخطاب غير الخطاب، والتصريحات غير التصريحات، فبعد تشكيك الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون من شيء اسمه دولة الجزائر، أو من وجود الشعب الجزائري قبل الاحتلال، واعتبار حكام الجزائر إنما يستغلون “ريع الذاكرة” لاقامة دولتهم، وبعد رفضه تسليم الجزائر رفاة وجماجم شهداء المقاومة لدفنها، هاهو اليوم يتغزل بحكام المرادية ويفتح حضن فرنسا لعبد المجيد تبون مستعدا لابرام علاقات استراتيجية غير مسبوقة مع دولة المليون شهيد الذين فتكت بهم فرنسا واحدا واحدا.

ومنذ توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا، تغيرت أفعال وأقوال قيس سعيد مع المغرب، أصبح أكثر قربا من حكام الجزائر، يغازلهم ويغازلونه، يزورهم ويزورونه، سريع البديهة في تلقف اشارات ماما فرنسا، مستعد لفعل أي شيء لارضائها للاعتراف بانقلاباته على الشرعية الدستورية، وقبول شطحاته غير الدستورية على دستور ثورة الياسمين.

إن استقبال قيس سعيد لزعيم انفصاليي البوليزاريو لم يكن بريئا، أو أنه استقبال عادي قام به رئيس دولة لعضو بالاتحاد الافريقي المنظم للمؤتمر الافريقي-الياباني، فمن المؤكد أن سعيد يعرف جيدا حجم حساسية ملف الصحراء للمغرب، وسيكون استمع للخطاب الأخير لعاهل البلاد بخصوص قضيتنا الترابية التي لا تقبل المزايدات وازدواجية الآراء، فحبره لم يجف بعد، فإن كان ما فعله بعيد عن أي تخطيط أو تماهي مع فرنسا والجزائر التي يتواجد ماكرون بها حاليا، فالرجل غبي حقا، وإن كان فَعل ما فعله عن اتفاق وتخطيط مع ولي نعمته فالرجل غبي أيضا، إنه الغباء السياسي كما وصفه به الأمين العام لمنظمة الشغل التونسية عند استقباله لزعيم البوليزاريو.

إن الهجوم الممنهج الذي شنته وتشنه وسائل الاعلام الرسمية الفرنسية والجزائرية ومواقع التواصل الاجتماعي للجزائر على رموز المملكة وعاهلها، والتحركات المريبة لراعية الاستعمار بافريقيا، وتصريحات ومواقف حكام الجزائر المتصلبة، وأفعال رئيس تونس الغادرة هو أقرب لحصارٍ وطوقٍ أريدَ أن يُضرب على المغرب، الغاية منه تركيعه وإرجاعه للتبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية، غايته الضغط عليه قدر الامكان لمنعه من أي اقلاع اقتصادي وعسكري وسياسي اقليمي ودولي، فلو كنا في القرون الوسطى لأمكن اعتبار تواجد الرئيس الفرنسي بالجزائر وتصرفات الرئيس التونسي تخطيطا لحرب عسكرية على المغرب من قبل الدول الثلاث وجب التحضير له والاستعداد، وهو اليوم حرب دبلوماسية قد اجتمعت كل أركانها واكتملت.

إن فرنسا تؤمن جيدا بالتاريخ، وتتذكر جيدا أنها حين دخلت شمال افريقيا لم تجد به غير كيانين اثنين، الدولة العثمانية والدولة الشريفية العلوية، وكانت آخر دولة دخلت إليها جيوشها كانت هذه الأخيرة، ومن خوفها منها بعد معركة وادي المخازن، دخلتها رفقة اسبانيا وبريطانيا، وحكمتها بنظام الحماية، وهي اليوم تعي جيدا ما معنى أن يستعيد المغرب موقعه ومكانته بالبحر الأبيض المتوسط وبافريقيا وبالعالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.