محمد سالم ل”جهات”: خرجة الرسيوني غير موفقة ومن الجيد أنه صحح هفواته وسحب أخطاءه
أثارت تصريحات رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، بشأن قضية الصحراء المغربية والتي وصفها البعض بأنها “مستفزة وصادمة”، موجة غضب عارمة في كل من موريتانيا والجزائر، ودفعت البعض إلى إطلاق حملة تطالب بإقالته من منصبه في الاتحاد.
وكان الريسوني قد صرح قبل أسبوعين في حوار مع موقع “بلانكا بريس” أن “ما يؤمن به قطعا هو أن الصحراء وموريتانيا تابعتان للمملكة”، وهو التصريح الذي سرعان ما آثار حفيظة شخصيات وأحزاب تنتمي للتيار الإسلامي بالجزائر، الذي تربطه علاقات قوية مع أعضاء الاتحاد.
وأضاف الريسوني: “العلماء والدعاة والشعب المغربي على استعداد للجهاد بالمال والنفس والمشاركة في مسيرة شبيهة بالمسيرة الخضراء والزحف بالملايين إلى الصحراء ومنطقة تندوف الجزائرية، إذا طلب العاهل المغربي ذلك”، معتبرا أن قضية الصحراء وموريتانيا “صناعة استعمارية”.
وانتقد الفقيه المقاصدي ما اعتبرها “محاولات لاستهداف الوحدة الترابية المغربية”، متهما دولا عربية وإسلامية “بالتورط في دعم وتبني تلك الصناعة الاستعمارية”، كما تطرق الريسوني إلى العلاقات المغربية الإسرائيلية، وأدان التطبيع بين البلدين، داعيا الدولة المغربية إلى “التعويل على قوى الشعب بدلا من الاستناد إلى إسرائيل”.
تفاعل واسع
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أبدى قطاع واسع من المعلقين دهشتهم مما وصفوه بـ”الخطاب الاستعلائي والمستهتر” الذي يعتمده عضو فاعل في “أحد أهم الهيئات الإسلامية”، كما استنكر معلقون ما قالوا إنه “توظيف مصطلحات دينية للترويج لمعلومات مغلوطة وأفكار تجاوزها التاريخ”.
وعلى ذات المنوال، علقت حركة “مجتمع السلم” الإسلامية على الموضوع، محملة الريسوني مسؤولية تبعات تصريحه.
وقالت الحركة، التي تمثل أكبر حزب معارض في البرلمان الجزائري “إن الظروف الدولية والإقليمية المتوترة لا تتحمل مثل هذه الخرجات التي تلهب نيران الفتنة”.
ولم يختلف الوضع كثيرا في موريتانيا، حيث أدان سياسيون وإعلاميون تصريحات الريسوني، ودعوا الدولة المغربية لاتخاذ موقف حازم، مثلما فعلت مع تصريحات حميد شباط السابقة، كما وصفت هيئة العلماء الموريتانيين التصريح بـ”المريب وغير الودي”.
من جهته، أصدر الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، بيانا أوضح فيه موقف الاتحاد من تصريحات رئيسه، قائلا إن “تلك التصريحات تمثل الريسوني وحده ولا تمثل رأي اتحاد علماء المسلمين”.
على الجهة المقابلة، دافع البعض عن الريسوني، ومعظمهم من المغاربة الذين يرفضون التفاوض على مسألة الصحراء، حيث أعرب مغردون عن دعمهم للريسوني عبر وسمي #كلناالريسوني و#الريسونييمثلني، واستعانوا بمقاطع من أفلام وثائقية تشرح المقاربة المغربية لمسألة الصحراء.
الريسوني يوضح موقفه
خرج أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين بتصريح في مقال نشره على موقعه الرسمي، يوضح فيه موقفه بعد الحملة الكبيرة التي طالت تصريحاته المثيرة، قائلا إن “حديثيه في الحوار المذكور كان شفويا وعفويا، وكان أحيانا مقتضبا غير مكتمل البيان، وهو ما فتح الباب لظنون وشروح وتأويلات لم تخطر لي على بال..، سواء كانت بقصد أو بدون قصد”.
وأكد الريسوني، على إيمانه المطلق “مثل كافة العقلاء، أن الحرب لن تأتي بحل أبدا، ولكنها تأتي بالدمار والخراب والاستنزاف للجميع، وتأتي بمزيد من التمزقات الداخلية والتدخلات الأجنبية”، وبخصوص استقلال موريتانيا، قال إن “اعترض عليه المغرب لعدة سنين، لأسباب تاريخية.. ثم اعترف به، وأصبحت موريتانيا إحدى الدول الخمس المكونة لاتحاد المغرب العربي”.
وقال إن “مما لا يحتاج إلى تأكيد، ولكني لا أملُّ من تكراره والاعتزاز به، أنني لا تفريق عندي ولا مفاضلة: بين مغربي وجزائري، أو مغربي وموريتاني، أو مغربي وتونسي، أو مغربي وليبي. بل المسلمون كلهم إخوتي وأحبتي، وللقرابة والجيرة زيادة حق”.
وختم الريسوني تصريحه بالتشديد على أن هذا هو موقفه الدائم، “أذكره الآن بشكل أكثر وضوحا ودقة مما جاء في الحوار الصحفي المشار إليه، راجيا من الجميع استبعاد سوء الظن وسوء التأويل، وعدم اللجوء إلى التزيد والتقويل”.
خرجة “غير موفقة”
أكد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، محمد سالم عبد الفتاح، في تصريح ل”جهات”، أنه من الجيد أن الريسوني صحح هفواته وسحب أخطاءه في تصريحه الأخير.
“فالأخطر في خرجة الريسوني الأولى، يقول سالم عبد الفتاح، في تصريح لجريدة “جهات”، هو الخلط ما بين سياقين مختلفين، أحدهما يتعلق بدفاع المغرب العادل والشرعي عن وحدته الترابية التي تشكل إجماعا وطنيا، والتي باتت محل حسم ميداني وسياسي، وبين سياقات قضية تاريخية أخرى باتت من الماضي، وتم تجاوزها بفضل حنكة وتعقل زعيمي البلدين الراحلين الحسن الثاني والمختار ولد داداه في فترة سابقة.
المطمئن أن الموقف الموريتاني الرسمي لم ينجر للدعاية المغرضة إزاء المغرب والتي حاول البعض الركوب من خلالها على هفوة الريسوني”.
وأضاف عبد الفتاح، أن الموقف الموريتاني يشهد تغيرا تدريجيا لصالح دعم سيادة المغرب على الصحراء، ظهر جليا خلال أزمة الكركرات سنة 2020، حين رفضت اقتحام البوليساريو للمنطقة العازلة كما ورد في تصريح الناطق الرسمي للحكومة الموريتانية، وتعاطت إيجابيا مع عملية تأمين المعبر التي شنها الجيش المغربي من خلال تنسيق تشغيل بوابتي المعبر، فضلا عن تعزيزها لتواجدها العسكري وتشديدها لمراقبة وحراسة مناطق حدودها الشمالية عقب تصعيد البولساريو، منعا لأي توظيف للتراب الموريتاني لشن أي أعمال عدائية ضد المغرب.
واسترسل عبد الفتاح، “الريسوني واجته النخب المغربية قبل غيرها، وهذا يؤشر على مستوى من الوعي سيمنع تجار الطروحات الشعبوية والشوفينية من استغلال القضايا الوطنية محل الإجماع الداخلي لتوتير العلاقات أو بث سموم الفتن والتصعيد بين بلدان وشعوب المنطقة”.
وخلص عبد الفتاح إلى أنه “في المقابل أيضا أبان تيار واسع من النخب الموريتانية عن تعقل وحكمة ورزانة في التعاطي مع خرجة الريسوني، وعن التمسك بعلاقات طبيعية ومتينة مع المغرب، في حين أن أقلية معزولة محسوبة على الطرح الإنفصالي هي من حاولت الركوب على تصريح الريسوني للإساءة للمغرب، ما يؤشر على وعي نخب البلدين بالمصير المشترك”.