عجز نهر أم ربيع عن بلوغ مصبه ينذر بأوقات عصيبة بدكالة وازمور

منذ شهور والمغرب يعيش حالة استنفار قصوى لمواجهة نقص المياه الصالحة للشرب، جراء الجفاف والتراجع الحاد للتساقطات المطرية، ما أثر بشكل ملحوظ على الفرشة المائية وعلى حقينة السدود، الشيء الذي هدد العديد من المدن والأرياف بأزمة عطش حاد خلال هذا الصيف، وعلى رأس تلك المدن نجد مدينة الجديدة، حيث أعلنت الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة وسيدي بنور في وقت سابق عن لجوءها الإضطراري لخفض صبيب المياه الصالحة للشرب ابتداء من تاريخ 25 يوليوز 2022.

أم ربيع… ليس مجرد نهر

يبلغ طول نهر أم الربيع حوالي 555 كيلومتر وتدفقه حوالي 117 متر مكعب في الثانية، وهو بذلك ثاني نهر في المغرب من حيث الطول وحجم المياه المصرفة.
نهر ام ربيع ليس مجرد نهر، بل كان حاضرا في مختلف المحطات التاريخية للمغرب، ظل لقرون يمثل الحدود السياسية بين إمارتي فاس ومراكش، وكان سببا في احداث مدن وتجمعات بشرية، مثل شريان الحياة لمجموعة من الثقافات المنبثقة من الأطلس حيث المنابع وصولا للسهول حيث المصب.
أحدثت على طول نهر أم ربيع مجموعة من السدود الكبرى والصغرى، استخدمت كمصدر دائم ورئيسي لمياه الشرب ولانتاج الطاقة الكهرومائية وللري، من بينها سد قرية أفورار، وسد القصبة الزيدانية، وسد قرية بولنوار، وسد قرية ابن معاشو،
وسد أحمد الحنصالي (كبير)، وسد تادلة (صغير)، وسد المسيرة (ضخم، هو ثاني أكبر سد في المغرب).
كما يعد هذا النهر من أهم المكونات الطبيعية والجغرافية والثقافية التي شكلت ملامح مدينة أزمور، هذه الأخيرة التي تشكلت عظمتها على عظمة نهر أم ربيع، لكن هذه المنظومة وهذا التاريخ والمجد مهدد اليوم بالجفاف، فالجفاف غير المسبوق الذي عرفته المنطقة ومس النهر بشكل مباشر بات يهدد الاستقرار البشري الذي عمر لقرون على ضفافه وصنع أمجاده وتاريخه.

دكالة.. واقع مقلق ومسقبل مجهول

إن التقلبات المناخية الأخيرة وما ارتبط بها من وشح التساقطات المطرية ليست السبب الوحيد في مشكل نذرة المياه، إنما ذلك يعود لأسباب أخرى. فقد صرح السيد محمد بن عبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة لجريدة جهات الإلكترونية، أن استنزاف الفرشه المائية في سقي الضيعات الفلاحية، وقلة التساقطات المطرية، وارتفاع درجات الحرارة، وفشل بعض المستثمرين في جلب المياه والتنقيب عنها، كانت من أهم الأسباب الرئيسية التي أدت إلى جفاف واحد من السدود المهمة على مصب نهر أم الربيع، وهو سد معاشو باقليم دكالة، واصفا الوضع الذي يعيشه نهر أم ربيع بكارثة حقيقية بكل المقاييس.
ويعرج الخبير البيئي على الأزمة عبر تأكيده أن أغلب الأحواض المائية بالمغرب تعيش خصاصا كبيرا جدا، فإلى جانب حوض أم ربيع الذي يسجل لأول مرة في التاريخ %8 كنسبة ملء، يسجل سد المسيرة %4، وسد بالويدان % 14، وبالتالي فإن تراجع حقينة السدود إلى مستويات مقلقة تهدد بموسم جاف، وبصيف صعب للغاية.
في نفس السياق، صرح أحد تقنيي الفلاحة ومن ساكنة دوار المرس بالجماعة القروية حد ولاد فرج التابعة لإقليم الجديدة، أن “كثرة سقي الساكنة لأراضيهم باعتماد المعدات الحديثة كانت سببا آخر في هذا النقص”، مضيفا أن “المياه الحالية بسد معاشو لن تكفينا حتى لشهر”.

“ذكرياتنا جفت مع جفاف الواد”

كانت تلك إحدى التصريحات الصادمة لجريدة جهات الإلكترونية، كانت لامرأة سبعينية من سكان المنطقة، تقول”منذ سنين ونحن نعيش من واد أم ربيع، نسترزق من خيراته، ولأول مرة في تاريخه يجف، ولم نشهد ما حيينا هذا الجفاف الذي أصابه”، تضيف فاطمة “نتقابل مع الواد ودموعنا تجف لجفافه”. هذا هوا حال ساكنة المنطقة المتضررة هذا الصيف من النقص الكبير في صبيب مياه هذا النهر التاريخي، نقص انعكس هنا فلاحيا واجتماعيا وانعكس أيضا على حصة مياه الشرب الموجهة للساكنة.

أوربا لم تسلم، لأول مرة تعيش سيناريوهات أكثر صعوبة

ليست بلانا وحدها التي تعيش أزمة شح المياه، فدول أخرى تعيش نفس السيناريو منذ بدايه الموسم.
إيطاليا، وبسبب قلة التساقطات وارتفاع درجة الحرارة وكثرة الحرائق أعلنت حالة الطوارئ في خمس مناطق شمالية محيطة بنهر “بو” التاريخي وسط أسوء موجة جفاف يشهدها منذ 70 عاما، الجفاف الذي سيهدد الريزوتو وصلصة الطماطم وزيت الزيتون هناك.
هذا وأعلنت المكسيك عن أزمتها من شح المياه بعدما وصلت لنسبة صفر في مدينة مونتيري، لتعاني أكبر مدينة بالمكسيك من حيث عدد السكان من أزمة مياه خطيرة.

تدابير استعجالية…. هل ما تزال تفي بالغرض؟

بعد عقود من اعتماد المغرب سياسة تشييد السدود لضمان الأمن المائي، بدأ في الأعوام الأخيرة تنويع برامجه وموارده للحد من أزمة نذرة المياه، ومن بين هذه التدابير نجد المخطط السباعي لسنة 2020 -2027 الذي وقع على أنظار جلالة الملك محمد السادس في يناير من عام 2020، والذي يخص إنجاز البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي ، الذي سيكلف استثمارات بقيمة 115 مليار درهم.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أقر المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بعجزه عن تزويد عدة مدن بالماء هذا الصيف. وحسب معطيات أخرى أظهرتها بيانات رسمية للوزارة الوصية، فإن حجم الواردات المائية المسجلة في مجموع السدود الكبرى من سنة 2021 الى سنة 2022 بلغ 714 مليون متر مكعب فقط، الشيء الذي شكل هذا العجز الذي نعيشه اليوم.
لمواجهة أزمة الماء التي تعيشها بلادنا لابد من حلول أخرى خارج الصندوق، يقول الخبير في المناخ والتنمية المستدامة محمد بن عبو، أنه لتدبير هذه الأزمة لابد من الانفتاح على على العديد من الموارد غير التقليدية التي في مقدمتها مياه البحر، إضافة إلى معالجة المياه العادمة. ويعود ليؤكد أنه انطلاقا من برنامج التطهير المندمج سنحقق مليار متر مكعب من المياه انطلاقا من معالجة المياه العادمة الموجهة لسقي الملاعب الرياضية والمساحات الخضراء.
وفي الأخير يدعو الخبير البيئي كافة المواطنين إلى ترشيد استعمال المياه لمواجهة هذا الخطر، خاتما قوله بحبذا لو كان الإعلان عن حالة الطوارئ المائية منذ بداية الموسم والتجند له، لكان ذلك سيوفر على الأقل أربعة أو ستة أشهر إضافية قبل الأزمة، ما يطرح بالتالي سؤال حسن تدبير أزمة الماء ببلادنا، هل نسير فعلا في الطريق الصحيح؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.