كشف الوكيـل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيـابة العـامة، هشام البلاوي، عن تحقيق أدنى نسبة للاعتقال الاحتياطي خلال السنوات العشر الأخيرة، مؤكدا بالمقابل وجود خصاص هيكلي يناهز 800 قاض بالنيابات العامة، وضغط مهني غير مسبوق، يطرح تحديات حقيقية أمام استدامة إصلاح العدالة وضمان نجاعتها في ظل تنامي القضايا وتعقّدها.
تراجع الاعتقال
ولفت البلاوي، اليوم الأربعاء، خلال عرضه أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى أن رئاسة النيابة العامة، واصلت “تكريس مقاربة شمولية لترشيد الاعتقال الاحتياطي، تقوم على تعزيز آليات الرصد والتتبع الإحصائي، وضبط مدى مطابقة أوامر الإيداع الصادرة عن النيابات العامة للمقتضيات القانونية، فضلاً عن تفعيل قنوات التنسيق المؤسساتي على المستويين المركزي والجهوي”، مبرزا أن هذه الجهود أسفرت خلال سنة 2024 عن “تحقيق أدنى نسب للاعتقال الاحتياطي خلال العقد الأخير، إذ لم تتجاوز 31,79% من مجموع الساكنة السجنية البالغ عددها 105.094 نزيلاً عند متم دجنبر 2024”
وبخصوص الأشخاص المقدمين أمام النيابة العامة للاشتباه في ارتكابهم جرائم، أكد البلاوي أن عددهم بلغ 664.637 مقدما، تقرر متابعة 94.293 متهما في حالة اعتقال، أي بنسبة 14.19% من مجموع المقدمين، وهو ما يمثل انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة، مشيرا إلى أن النيابة العامة أمرت باعتقال 77.148 متهما، فيما اعتقل قضاة التحقيق 17.145 شخصاً، مما يجعل نسبة الاعتقال المباشر الصادر عن النيابة العامة في حدود 11.61% فقط.
وأشار إلى أنه تم حفظ 26.357 محضرا أثناء التقديم، أي بنسبة 3.97% من مجموع المقدمين، كما تم حفظ 917.427 محضراً ورقياً، أي ما يعادل 37% من مجموع المحاضر، موضحا أن النيابة العامة فعلت “الآليات البديلة عن الاعتقال المتاحة قانونا، حيث بلغ عدد المتابعات مقابل كفالة مالية 46.309 متابعة. كما سُجلت 15.862 حالة صلح في إطار المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية”.
ونبه البلاوي إلى النقص العددي في قضاة النيابة العامة العاملين، الذين قدر عددهم في متم سنة 2024 ما مجموعه 1223 قاضياً وقاضية، بزيادة نسبتها 12.5% مقارنة بسنة 2023، حيث لم يتجاوز العدد آنذاك 1087 قاضياً، مفيدا أنه “رغم هذا التطور العددي، فإن المعدل الوطني لقضاة النيابة العامة لم يتجاوز 3 قضاة لكل 100.000 نسمة، وهو معدل يبقى ضعيفاً بالمقارنة مع نظيره الأوروبي الذي يفوق 11 ممثلاً للنيابة العامة لكل 100.000 نسمة”.
وشدد البلاوي على الحاجة الملحّة إلى تعزيز الموارد البشرية واللوجيستيكية بالمحاكم، وفي مقدمتها الرفع من عدد قضاة النيابة العامة وسد الخصاص المقدر بحوالي 800 قاض، “ذلك أنّ الزيادة النسبية التي تحققت خلال هذه السنة تبقى غير كافية أمام حجم المهام المتنامي لا سيما في ضوء التعديلات التشريعية الأخيرة”.
ولفت إلى أنه “يظل من الضروري تمكين النيابات العامة من العدد الكافي من الأطر والموظفين، مع إيلاء الأولوية لتوظيف المساعدين الاجتماعيين بحكم أدوارهم الجديدة في تنفيذ العقوبات البديلة، فضلاً عن توفير موظفين متخصصين في المجالين الإحصائي والمعلوماتي”، مشيرا إلى “ضرورة تعزيز المحاكم الابتدائية بعدد كاف من قضاة تطبيق العقوبات وتمكينهم من التخصص لمواكبة المستجدات التشريعية، إلى جانب دعم محاكم الاستئناف بالمستشارين بالنظر إلى التمركز الكبير للمعتقلين الاحتياطيين بها”.
من جهة أخرى، أبرز البلاوي جهود التصدي للانتهاكات الماسة بحقوق الإنسان، مفيدا أن النيابات العامة أبانت “عن سرعة استجابتها لكل ادعاء يرتبط بسوء المعاملة أثناء إنفاذ القانون. وهكذا سُجلت 150 شكاية تتعلق بادعاء العنف، و7 شكايات تتعلق بادعاء التعذيب. وقد أمرت النيابات العامة بإنجاز 379 فحصاً طبياً ترسيخاً للشفافية وضماناً للموضوعية في الأبحاث والتحريات المأمور بها”.
وذكر في السباق ذاته أن قضاة النيابة العامة أنجزوا “22.375 زيارة لأماكن الوضع تحت الحراسة النظرية، و1.116 زيارة للمؤسسات السجنية، و186 زيارة لمؤسسات علاج الأمراض العقلية والنفسية، وهي نسب تجاوزت السقف المفروض قانوناً بما يعكس حرصاً مضاعفاً لدى النيابات العامة على الوفاء بما يفرضه القانون في هذا الإطار”.
وأردف أن قضايا العنف ضد النساء عرفت “تراجعاً ملحوظاً، إذ استقرت عند 26.884 قضية بعدما كانت قد بلغت 29.950 قضية خلال سنة 2023. وفي المقابل، ارتفعت قضايا العنف ضد الأطفال إلى 9.618 قضية، توبع فيها 10.169 شخصاً، فيما بلغ عدد الضحايا 9.948 طفلاً، وهو ما استدعى تفعيل التدابير البديلة وتكثيف إجراءات الحماية المقررة لفائدة هذه الفئة. كما شهدت قضايا الاتجار بالبشر تطوراً ملحوظا، مسجلة 155 قضية، في مؤشر بارز على اليقظة الخاصة التي أبدتها النيابات العامة في مواجهة هذا النوع الخطير من الجريمة وضمان الحماية الفعلية لضحاياه، انسجاماً مع الالتزامات الوطنية والدولية لبلادنا.
وعلى مستوى تخليق الحياة العامة وحماية المال العام، واصلت رئاسة النيابة العامة تفعيل آلية الخط المباشر للتبليغ عن جرائم الرشوة والفساد المالي، حيث “بلغ مجموع المكالمات الواردة عليه خلال سنة 2024 ما مجموعه 8.967 مكالمة، أسفرت عن ضبط 61 حالة تلبس أُحيلت على الهيئات القضائية المختصة. وقد ترتب عن هذه القضايا صدور أحكام بالإدانة تضمنت عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية، بما يكرّس جدية هذه الآلية ويعزز ثقة المواطنين في فعاليتها.
وفي مجال الجرائم المالية، أوضح البلاوي أن القضايا الرائجة أمام الأقسام المختصة سجلت خلال سنة 2024 تراجعاً نسبياً، إذ بلغت 874 قضية مقابل 948 في السنة السابقة، فيما استقرت قضايا غسل الأموال عند 801 قضية. وقد صدر 289 حكماً خلال هذه السنة، قضت النسبة الغالبة منها (85%) بالإدانة.
وفيما يخص التصدي للجريمة وحماية الأمن والنظام العام، أفاد الوكيل العام أنه “سُجلت مؤشرات متباينة، مع ميل إلى الاستقرار في القضايا الإرهابية، حيث توبع 96 شخصاً في إطار 116 قضية. كما سُجلت 85.806 قضية مرتبطة بالأمن والنظام العام توبع فيها 96.257 شخصاً، و169.679 قضية ضد الأشخاص توبع في إطارها 205.816 شخصاً، و71.317 قضية ضد الأموال توبع بشأنها 83.675 شخصاً، إلى جانب 24.053 قضية تتعلق بالجرائم الماسة بنظام الأسرة والأخلاق العامة، و10.372 قضية تتعلق بجرائم التزوير والتزييف والانتحال”.