كيدو: المغرب بحاجة إلى استراتيجية مضبوطة لمواجهة التحولات الديمغرافية

أبانت العديد من التقارير والدراسات وعلى رأسها النموذج التنموي الجديد أن البنية الديمغرافية المغربية تعد إحدى ركائز قوة هذا البلد، وإحدى الدعامات المهمة للتنمية، مشيرة إلى أن هذا المعطى لن ينفك يضمحل مع مطلع العقد الرابع من هذا القرن.

هذا وتبرز أهمية مرحلة الانتقال الديمغرافي، أو ما يمكن أن نسميه منعطفا في منحنى الاعتماد (أي نسبة الأشخاص في سن العمل يتجاوز الأطفال والشيوخ) في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، شريطة إرساء سياسات عمومية تأخذ بعين الاعتبارات التكوين المناسب والشغل والإدماج الاجتماعي.

إذن ما الذي ينتظر المغرب بعد هذه المرحلة الإيجابية في الهرم السكاني؟ وكيف سيواجه صعوبات وتحديات سيناريوهات التحولات الديمغرافية الممكنة؟

  • تحديات وصعوبات النمو السكاني.. سيناريوهات ممكنة:

يجيبنا في هذا السياق الدكتور إبراهيم كيدو، أستاذ الديموغرافيا بجامعة ابن زهر، مشيرا إلى أن المغرب يمتاز بوجود بنية سكانية لا تزال فتية، كما أن المؤشر التركيبي للخصوبة متوسط مقارنة بدول الجوار، ويتراوح في حدود 2,2 طفل لكل امرأة، مشددا أن “لدينا مؤهلات ديموغرافية لكنها مبعثرة وغير متناسقة وتفتقد إلى سياسة تنموية تكاملية وأفقية”؛ وهو ما من شأنه أن ينعكس بشكل سلبي على ديمغرافية المغرب.

ويوضح الخبير في الديمغرافيا في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية، أن التحديات الكبرى التي يمكن أن تواجه التحول الديمغرافي بالمغرب هي التحول الديمغرافي نفسه، “فبقدر ما نبحث عن ايجابيات وعن حلول من خلال الدفع نحو الانتقال الديمغرافي، بقدر ما ينبغي أن نحذر من مخاطر هذا التحول في حد ذاته، فيمكن الدفع بالسكان نحو التحول، وهذا ما وقع، لكن يصعب تدارك منزلقات هذا التحول، ولاسيما المنزلقات البنيوية، في مقدمتها يأتي تشايخ السكان، فلو حصل أن المجتمع أصيب بظاهرة التشايخ، فهذا سينعكس على وتيرة التجديد السكاني في المستقبل، هذا وما يمكن أن ينعكس حتى على وزن سكان بلد ما داخل المجتمع الدولي”.

ويضيف ذات المتحدث أن، التجديد الهرمي للسكان هو الذي يوفر إمكانية الاستخلاف الديمغرافي وإمكانية التزايد الذاتي دون الاعتماد على عوامل خارجية،  مستشهدا في ذلك بالمأزق الذي تعيشه أوروبا اليوم، حيث أصبحت عاجزة عن ضمان تزايد ساكنتها بشكل ذاتي، “لذلك تفتح بين الفينة والأخرى المجال للهجرة من أجل تزويد آلياتها وقطاعاتها الاقتصادية باليد العاملة التي تحتاج اليها”.

إن المجتمع القوي، وفق الدكتور كيدو، هو المجتمع القوي بديمغرافيته، لأنه سيوفر موارد بشرية للاقتصاد، وامكانيات بشرية لتأمين أمنه القومي واستمرار إعماره لبلده، “لكن في الوقت نفسه هذا لا ينبغي أن يحجب عنا التحديات الأخرى التي تظهر حينما يقع التجول الديمغرافي، أو حينما نصبح بصدد حجم سكان معين مقابل اقتصاد غير مخطط له وغير عادل وغير منسجم مع حاجيات المجتمع، فهذا يؤدي لا محالة الى اختلالات الكبيرة جدا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وتظهر في مشاكل العمل والبطالة ومشاكل التمدرس والصحة والتطبيب الخ”.

  • أي استراتيجية لتأمين المستقبل الديمغرافي للمغرب؟

يشدد الدكتور كيدو على أن الاختلالات التي يمكن أن تظهر عقب التحول أو النمو الديمغرافي ليست تمظهرات للنمو الديمغرافي في حد ذاته، بل بفعل أسباب مركبة، في مقدمتها سوء التخطيط وتوزيع الثورات والامكانات التي يحضى بها كل بدل، كما هو الأمر بالنسبة للمغرب.

وأوضح ذات المتحدث أن سؤال “أي استراتيجية يمكن اعتمادها لتأمين المستقبل ديموغرافيا” تفيد بدرجة أولى التساؤل عن كيفية المحافظة على ديمغرافية بلدنا، باعتبار أن الديمغرافية رهان من الرهانات التي يمكن من خلالها تثبيث وجودنا في المستقبل، وإعمار مجالاتنا الشاسعة من الشمال الى الجنوب.

“هنا لابد أولا أن نعتني بالسكان من خلال إحكام سياسة سكانية معتدلة، تعتمد نوعا من الاحتياط اللازم من أجل أن نحافظ على التجديد الديمغرافي في بنية السكان، بما يتوافق وما يناسب هرميا، أي دون أن نفرط في التدخل وفي اتلاف واخلال البنى الديمغرافية. في المقابل لا بد من نهج سياسة ترابية إعدادية متبصرة تأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات المجالية والاقتصادية واتجهات التحول الديمغرافي، وأيضا تهدف إلى خلق نهضة مجالية متوازنة، بالإضافة إلى العنصر الثالث المتمثل في نهج سياسة اجتماعية تنبني أساسا على عدالة اجتماعية مستديمة وحقيقية، يراها المواطن على أرض الواقع، تؤمن له مستقبله وتعالج أوضاعه وبالتالي التجديد السكاني يكون تلقائيا وبكيفية تناسب ما هو موجود في الحياة”، وفق الدكتور كيدو.

وهنا يحق لنا أن نتساءل، هل سيعمل النموذج التنموي الجديد على الاستثمار الفعلي في الشباب خلال هذه الفترة لأجل ارساء تنمية بشرية قوية في مختلف أبعادها؟ وهل الساسة المغاربة يستوعبون التحديات والاكراهات التي قد تتضاعف مع اتجاه الهرم السكاني المغربي نحو الشيخوخة بمرور السنوات؟ وهل أنظمة الحماية الاجتماعية وصناديق التقاعد والدولة الاجتماعية التي ننشدها ستكون صلبة كفاية لمواجهة هذه التحولات؟

تعليقات (0)
أضف تعليق