مدينة الجديدة.. انتشار للأزبال وغياب للفضاءات الخضراء

سلمى الزروالي

روائح تزكم الأنوف ليلا، ونفايات منتشرة ومتراكمة هنا وهناك، زحف إسمنتي متسارع، وفضاءات خضراء شاهدة على فترة الاستعمار…، هذا حال عاصمة دكالة منذ ما يقارب عقدا من الزمن، ويزداد سوءا يوما بعد يوم.
جولة سريعة بشوارع وأزقة مدينة الجديدة التي تحدها كبريات الشركات الوطنية والدولية، وتحوي أكبر منتجع سياحي على مستوى أفريقيا، كفيلة لرصد الوضع البيئي الكارثي الذي أمسى يتخبط فيه سكان هذه الرقعة الجغرافية.
تنتشر النفايات بشكل كبير بجوار الحاويات المملوءة عن آخرها في مختلف الشوارع الرئيسية والأحياء الكبرى، ويزداد الأمر سوء في الأحياء الهامشية والموجودة في الأطراف (دوار الغربة، الحي الصناعي، دوار المسيرة ودوار شهب…)، خاصة في ظل عدم تنظيف وغسل هذه الحاويات مما يضاعف من الروائح الكريهة المنبعثة منها نتيجة عصارة الأزبال (الليكسيفا).

دفتر تحملات مختل
وتقع مسؤولية تدبير النفايات المنزلية على عاتق الجماعات الترابية، كما تنص عليه المادة 83 من قانونها التنظيمي، حيث يمكن لهذه الأخيرة أن تفوض هذا التدبير لإحدى الشركات المختصة وفقا لاتفاقية محددة الأجل وخاضعة لدفتر تحملات، وهذا هو الحال في مدينة الجديدة التي تعنى فيه شركة “ديريشبوك” بهذه المهمة منذ 27 أكتوبر 2016 والمستمرة حتى أكتوبر 2023 (عقد ل7 سنوات).
في هذا الصدد، وقف ملف ترافعي لفدرالية جمعيات الأحياء السكنية بمدينة الجديدة، على العديد من الاختلالات المرتبطة بمواد دفتر التحملات وكذا تطبيق هذه المواد على أرض الواقع، إذ تم تحديد مبلغ 2.9 مليون درهم شهريا للصفقة وهو نفس المبلغ المحدد لمدينة إفران مع التباين الواضح بين المدينتين على مستوى الكثافة السكانية..
وأضاف تقرير الفيدرالية أن تقديرات كميات النفايات ونسبة تطورها السنوي أقل من الكميات المنجزة بفارق يتعدى 5%، مشيرا إلى أن دفتر التحملات لا ينص عن أي إجراء بهذا الصدد وهو ما يستوجب صياغة ملحق لهذا الدفتر، حسب الفيدرالية ذاتها.

مسؤولية مشتركة
إن الاختلالات التي تشوب عملية جمع النفايات وتنظيف أماكنها وغسل الحاويات يستوجب تتبعا وتدخلا من طرف المجلس البلدي المحلي الذي تناط به مهمة السهر على تطبيق مقتضيات دفتر التحملات، وإلزام الشركة المعنية بها.
وإذا كانت المسؤولية القانونية مرتبطة بالمجلس البلدي للمدينة والشركة المفوض إليها، فإن المسؤولية الأخلاقية تتعدى ذلك لتطال المواطنين والمواطنات، فباعتبارهم المتضررين الأبرز من هذا الوضع البيئي المتردي فإنهم كذلك وبسبب سلوكياتهم وومارساتهم اليومية يزيدون الطين بلة (رمي النفايات المنزلية في غير الأماكن المخصصة إليها، رمي النفايات في الشارع، إخراج النفايات بعد توقيت مرور الشاحنات….)، وهو الأمر الذي يستدعي مقاربة تشاركية للإحاطة بهذا المشكل.
وفي هذا السياق، قال رئيس فيدرالية جمعيات الأحياء السكنية بالجديدة محمد فتحي: “إن ما تعيشه مدينة الجديدة الآن وفق تقديره من مشاكل وخصاص واضح في عدة مجالات لا يليق بتاريخها وارثها العمراني والحضاري”.
وحمل فتحي في تصريح لجريدة “جهات” الإلكترونية، أن هذا الواقع الذي مسؤوليته جميع المتدخلين المتحكمين في مسار نهضة المدينة، معتبرا أن توالي سوء التدبير جعل اسم مدينة الجديدة مقترنا ب”لحفاري وتراكم النفايات”.

مساحات خضراء تحتضر
إن الأزمة البيئية التي تعيش في وسطها مدينة الجديدة تتعدى تجميع النفايات المنزلية، فالمدينة رغم دينامية التوسع العمراني والديمغرافي الذي تشهده، تقتصر المجالات الخضراء فيها على حديقتين أساسيتين هما حديقة محمد الخامس المحادية للشاطئ وحديقة الحسن الثاني، بالإضافة إلى حدائق صغيرة جدا في بعض الأحياء…
ولا يتناسب عدد ومساحة الفضاءات الخضراء بالمدينة مع عدد السكان والزوار القادمين إليها، الذين ترتفع نسبتهم بحلول فصل الصيف.
إن كانت منظمة الصحة العالمية تحدد 10 أمتار للفرد، فإن حصة المواطن الجديدي لا تتعدى 1.2 متر، ولم يتم تحقيق سوى 21 هكتارا من أصل 550 هكتار المقرر تهيئة فضاءات خضراء بالمدينة. كما أن وضعية الفضاءات الموجودة وعلى رأسها حديقة محمد الخامس جد متدهورة إثر تراجع نسبة الفرشة النباتية ومستوى النظافة فيها، باستثناء حديقة الحسن الثاني التي شرع في صيانتها سنة 2017.
كما أن المجالات الخضراء الممتدة عبر الأرصفة تعرف إهمالا كبيرا أودى بحياة بعضها وشوه البعض الأخر، مما جعلنا أمام غياب هذه الأحزمة في جزء من المدينة التي لا تزال أرصفتها في طور الإعداد أو الصيانة منذ الولاية السابق للمجلس البلدي.
وفي هذا الصدد أكد محمد فتحي على أن المسؤولون عن التعمير والمجالس البلدية المتعاقبة على تسيير المدينة كانوا دائما يتجاهلون أو يتحايلون على قوانين التعمير خصوصا القانون رقم 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
وأوضح المتحدث نفسه، أن المادة 18 تنص من القانون على أنه لا يجوز الإذن في إحداث تجزئات عقارية إلا إذا كانت مشاريعها تنص على عدة شروط من بينها تهيئة المساحات غير المبنية كالساحات والمناطق الخضراء والملاعب، مستطردا: “إلا أن واقع الحال يثبت العكس، حيث وصل الأمر إلى الاستحواذ على المساحات التي خصصت في البداية كمساحات خضراء والمساحات التي تدخل ضمن الاسقاطات العمومية (chute public) والتي غالبا ما تكون مساحات مجددة ومعلومة بتصميم المسوحات الطبوغرافية الأصلية للمدينة، فيتم التحايل عليها لتتحول إلى ملكيات في اسم أشخاص بقدرة قادر”.

تعليقات (0)
أضف تعليق